Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الاخبار

“إلغاء قيصر”.. سوريا بين كسر العزلة وتحديات المرحلة المقبلة | الخليج أونلاين

إلغاء “قانون قيصر” يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في العلاقات السورية الأمريكية، لكنه مشروط بتحولات سياسية ورقابية. لم يكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء قانون قيصر مجرد إجراء روتيني، بل خطوة محورية تعيد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي في سوريا، وتضع مستقبل العلاقة بين دمشق وواشنطن على محكّ الاختبار. هذا التحول يثير تساؤلات حول الدوافع الأمريكية الحقيقية، والآثار المترتبة على هذا الإلغاء المشروط، والتحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة في سبيل استعادة مكانتها الإقليمية والدولية.

قانون قيصر: نظرة تاريخية وتداعيات اقتصادية

أُقرّ قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا عام 2019، ليشكّل أداة ضغط قوية استخدمتها الولايات المتحدة بهدف كبح انتهاكات نظام الأسد ودفعه نحو حل سياسي يتماشى مع قرارات الشرعية الدولية. القانون، الذي استند إلى وثائق صادمة سربها ضابط منشق سوري، فرض منظومة عقوبات مالية واقتصادية واسعة النطاق، طالت قطاعات حيوية مثل الطاقة والإعمار والطيران والبنية التحتية، بالإضافة إلى استهداف مصادر تمويل حلفاء دمشق.

تسببت هذه العقوبات في تداعيات اقتصادية وخيمة على سوريا، تمثلت في تدهور حاد في مستوى المعيشة، وانكماش الاستثمارات، وتراجع الاستيراد والتحويلات المالية. لقد كبّل العزل المالي والاقتصادي مفاصل الدولة السورية وألقى بظلاله الثقيلة على حياة المواطنين.

إلغاء قانون قيصر: تحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا

جاء إدراج إلغاء قانون قيصر ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 بمثابة نهاية رسمية لهذا النظام العقابي، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد. يعكس هذا الإلغاء تحولاً محسوباً في نظرة واشنطن تجاه دمشق، بعد سنوات من العزلة.

ومع ذلك، فإن هذا الإلغاء ليس مطلقاً، بل هو مشروط بتقديم البيت الأبيض تقارير دورية إلى الكونغرس على مدى أربع سنوات، تقيّم أداء الحكومة السورية في ملفات حيوية مثل مكافحة الإرهاب، ومكافحة المخدرات، وحماية الأقليات، والسعي إلى السلام مع دول الجوار. كما يمنح القانون الرئيس الأمريكي صلاحية إعادة فرض عقوبات محددة إذا جاءت التقارير بنتائج سلبية، مما يجعل رفع العقوبات مرتبطاً بالالتزام المستمر بهذه المعايير.

تقييم دوري والتزامات الحكومة السورية الجديدة

على الرغم من الترحيب الرسمي بإلغاء قانون قيصر في دمشق، إلا أن الحكومة السورية تدرك تماماً أن هذه الخطوة تمثل بداية مرحلة دقيقة تتطلب إعادة الاندماج التدريجي في النظام المالي الدولي، وإعادة بناء الثقة مع الخارج. صرح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، بأن البنك المركزي سيلعب دوراً محورياً في دعم الشفافية النقدية، وتوفير بيانات موثوقة، وتعزيز الاستقرار المالي، وإعادة بناء المؤسسات المالية.

كما أشار حصرية إلى أن إلغاء العقوبات يفتح آفاقاً استراتيجية أمام دمشق، أهمها الحصول على “تصنيف ائتماني سيادي” يعيد دمج سوريا في النظام المالي العالمي، وهو ما يعتبر مؤشراً أساسياً لجذب الاستثمارات الأجنبية والتعامل مع صندوق النقد والبنك الدوليين.

اختبار أمريكي للحكومة السورية الجديدة

يرى المحلل السياسي عمار جلو أن إلغاء قانون قيصر لا يعني إلغاءه بالمعنى الحقيقي، بل إعادة صياغته ضمن إطار سياسي رقابي يربط مستقبل العلاقة مع واشنطن بسلوك الحكومة السورية الجديدة. ويؤكد جلو أن ما وصفه بـ “الإلغاء المشروط” الذي أقرّه الرئيس ترامب ينقل العقوبات من حالة الجمود إلى آلية متابعة واختبار مستمر.

في حديثه، أوضح جلو أن الولايات المتحدة تراهن على تحويل العقوبات من أداة عقاب إلى أداة توجيه سياسي، مستخدمةً الاستثمار وإعادة الإعمار كحوافز مشروطة. كما أكد أن واشنطن تسعى للتأثير على ملفات حيوية لأمنها القومي، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب وتقليص النفوذ الإيراني داخل سوريا.

التحديات الداخلية والإقليمية

يأتي هذا القرار في سياق تحولات إقليمية، بما في ذلك سقوط نظام الأسد وصعود سلطة جديدة أعلنت فك ارتباطها بتنظيم القاعدة وتركيزها على الشأن الداخلي. هذا التحول يدفع واشنطن إلى اختبار نيات القيادة الجديدة ومدى جديتها في ترجمة تعهداتها إلى خطوات عملية.

داخلياً، يعكس الإلغاء توازناً أمريكياً دقيقاً بين تيار يدفع نحو الانفتاح المشروط، وآخر يطالب بضمانات صارمة. في المقابل، يضغط معارضون داخل الكونغرس ومنظمات مؤيدة لـ”إسرائيل” لربط أي انفتاح بحماية الأقليات وضمان أمن “إسرائيل”.

تبقى مخاطر الهشاشة الأمنية قائمة، مع احتمالات عودة العنف الطائفي أو استغلال تنظيم “داعش” لأي فراغ. كما أن استمرار التأثيرات الإقليمية لإيران وتركيا و”إسرائيل” قد يعقّد مسار الاستقرار الداخلي.

الخلاصة: تحول في الوسائل لا في الأهداف

في الختام، يمثل إلغاء قانون قيصر تحولاً في الوسائل لا في الأهداف. الولايات المتحدة انتقلت من العزل والعقاب المباشر إلى الانخراط المشروط والمراقبة الدقيقة، حيث تُقاس العلاقات بالنتائج على الأرض لا بالخطاب السياسي. إن مستقبل العلاقة السورية الأمريكية يعتمد الآن على قدرة الحكومة السورية الجديدة على تلبية الشروط الأمريكية، وتقديم أدلة ملموسة على التقدم في الملفات الحيوية، وإعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي. يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح دمشق في اجتياز هذا الاختبار الأمريكي الصعب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *