Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الاخبار

اتفاق بكين بين الرياض وطهران.. من المصالحة لإدارة خلافات إقليمية | الخليج أونلاين

منذ توقيع اتفاق بكين في مارس 2023، شهدت العلاقات بين الرياض وطهران تحولاً ملحوظاً، مدفوعة برعاية صينية مباشرة. هذا الاتفاق لم يكن مجرد عودة للعلاقات الدبلوماسية المقطوعة، بل خطوة نحو إعادة بناء الثقة تدريجياً في منطقة تشهد اضطرابات متزايدة. انعقد الاجتماع الثالث للجنة الثلاثية السعودية–الصينية–الإيرانية في طهران، مؤكداً انتقال هذا الاتفاق من مرحلة استعادة العلاقات إلى مرحلة تثبيت آليات المتابعة السياسية والأمنية، في ظل تحديات إقليمية معقدة تشمل غزة ولبنان وسوريا واليمن.

اتفاق بكين: نقطة تحول في العلاقات السعودية الإيرانية

بعد سنوات من القطيعة والتوتر، سعت كل من الرياض وطهران، بدعم صيني مباشر، إلى إعادة بناء الثقة منذ توقيع اتفاق بكين في مارس 2023. لم يكن هذا الاتفاق مجرد مصالحة ثنائية، بل حمل في طياته أبعاداً إقليمية أوسع، تتعلق بإعادة ضبط قواعد الاشتباك السياسي في الشرق الأوسط. الاتفاق يمثل فرصة لتهدئة التوترات المتصاعدة، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وفتح آفاق جديدة للتعاون.

تقييم مسار الاتفاق بعد عامين

الاجتماع الثالث، الذي عُقد في 9 ديسمبر الجاري برئاسة نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي، وبمشاركة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي ونائب وزير الخارجية الصيني مياو دييو، يمثل محطة تقييم شاملة لمسار الاتفاق. بعد مرور أكثر من عامين على إطلاقه، وفي ظل تطورات أمنية وسياسية وضعت الاتفاق أمام اختبارات حقيقية، يهدف الاجتماع إلى تحديد التحديات وسبل التغلب عليها. اتفاق بكين يواجه تحديات جمة، لكنه يظل خطوة إيجابية نحو الاستقرار.

إدارة الأزمات الإقليمية والتزام الرياض وطهران

يمثل الاجتماع الثالث، الذي عُقد في طهران، أكثر الاجتماعات حساسية منذ توقيع الاتفاق، نظراً لتزامنه مع تصعيد إقليمي واسع. أكدت السعودية وإيران خلاله التزامهما الكامل بتنفيذ اتفاق بكين وبنوده كافة، واستمرار السعي لتعزيز علاقات حسن الجوار واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها. هذا الالتزام يعكس رغبة مشتركة في تجنب المزيد من التصعيد، والتركيز على إيجاد حلول سلمية للأزمات الإقليمية.

التقدم المحرز في العلاقات الثنائية

أشاد المشاركون بالتقدم المحرز في العلاقات الثنائية، لا سيما في الخدمات القنصلية. التسهيلات الجديدة مكنت أكثر من 85 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، ونحو 210 آلاف معتمر من أداء مناسك العمرة خلال 2025. بالإضافة إلى ذلك، شهد التعاون البحثي والثقافي والإعلامي بين المؤسسات في البلدين توسعاً ملحوظاً. هذه التطورات الإيجابية تعزز الثقة المتبادلة، وتفتح الباب أمام المزيد من التعاون في المستقبل. العلاقات السعودية الإيرانية تشهد تحسناً ملحوظاً في مختلف المجالات.

الدعوة إلى وقف العدوان الإقليمي

شدد الاجتماع على أهمية الحوار الإقليمي لتعزيز الأمن والاستقرار، مع دعوة صريحة إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في فلسطين ولبنان وسوريا، والتنديد بانتهاك سيادة إيران. هذه الدعوة تعكس موقفاً موحداً للدول الثلاث تجاه القضايا الإقليمية، وتؤكد على أهمية احترام القانون الدولي. كما أعربت طهران عن تقديرها لمواقف السعودية والصين، فيما أكدت الدول الثلاث دعمها للحل السياسي في اليمن.

الاجتماع الثاني: توسيع نطاق التعاون

جاء الاجتماع الأخير مكملاً للاجتماع الثاني للجنة الثلاثية في نوفمبر من العام الماضي، والذي ركز على توسيع نطاق التعاون الثنائي، خصوصاً في الملفات القنصلية والإنسانية والاقتصادية. برز في هذا السياق ملف الحج والعمرة بوصفه مؤشراً عملياً على تحسن العلاقات، مع تسهيل إجراءات الحجاج والمعتمرين الإيرانيين. التعاون الإقليمي ضروري لتحقيق الاستقرار والازدهار.

من إدارة القطيعة إلى إدارة المصالح

ناقش الاجتماع الثاني أيضاً القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها اليمن، حيث أكد الطرفان دعمهما للحل السياسي الشامل تحت رعاية الأمم المتحدة. تم التأكيد على أهمية خفض التصعيد الإعلامي والسياسي، وتجنب أي خطوات من شأنها تقويض مسار الحوار. شهد ذلك الاجتماع انتقال العلاقات من مرحلة “إدارة القطيعة” إلى مرحلة “إدارة المصالح”، مع ظهور بوادر تعاون في مجالات ثقافية وبحثية، وإن بقيت ضمن نطاق محدود ومحسوب.

الدور الصيني في الوساطة الإقليمية

اتفاق بكين، الذي تم إعلانه في 10 مارس 2023 برعاية صينية مباشرة، وضع حداً لسبع سنوات من القطيعة بين السعودية وإيران. نص الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى جانب إعادة تفعيل اتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي السابقة. هذا الاتفاق شكل تحولاً استراتيجياً في مقاربة العلاقات الإقليمية، وانتقل من منطق المواجهة غير المباشرة إلى إدارة الخلافات عبر الحوار.

بكين كضامن لمسار التنفيذ

منح الاتفاق الصين دوراً غير مسبوق في الوساطة السياسية في الشرق الأوسط، بوصفها ضامناً ومتابعاً لمسار التنفيذ، وليس مجرد راعٍ شكلي. في الشهر الذي يلي الإعلان، وتحديداً في ديسمبر 2023، عُقد الاجتماع الأول للجنة الثلاثية، وتركز بشكل أساسي على الجوانب الإجرائية والتنفيذية للمصالحة، وشمل ذلك إعادة فتح السفارات، وترتيب عمل البعثات الدبلوماسية، وإعادة تفعيل الاتفاقيات الثنائية الموقعة سابقاً في مجالات الأمن والتعاون الاقتصادي.

مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية

يرى الباحث في العلاقات الدولية عماد كمال أن الاجتماع الثالث للجنة يعكس انتقال اتفاق بكين “من مرحلة إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى مرحلة أكثر تعقيداً تتعلق بإدارة الخلافات الإقليمية في ظل بيئة سياسية وأمنية مضطربة”. ويشير إلى أن استمرار التنسيق الثلاثي رغم التصعيد في فلسطين ولبنان وسوريا “يدل على رغبة مشتركة في منع انزلاق الخلافات إلى مواجهة مباشرة بين الرياض وطهران”. ويرى أن الدور الصيني “بات أكثر وضوحاً في هذه المرحلة، ليس بوصفه وسيط مصالحة فحسب، بل كطرف ضامن لمسار طويل الأمد”. نجاح هذا المسار النهائي سيقاس بقدرته على تحييد التنافس السعودي الإيراني عن ساحات الصراع، وفي مقدمتها اليمن ولبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *