اعترافات إسرائيلية خجولة بالفشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة
الاعترافات الخجولة بفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف التي وضعتها له القيادة السياسية، في القضاء على حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين، بعد نحو ثلاثة أشهر من حربه الدموية على غزة ، بدأت تتسرب إلى مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية وتترجم نفسها في الإستراتيجية الحربية المسماة بالمرحلة الثالثة، والتي يراد لها الاستمرار لأشهر طويلة يمكث فيها الجيش الإسرائيلي ويواصل خلالها عملياته العسكرية في غزة.
الجنرال احتياط يتسحاك بريك، الذي انتقد منذ العام 2018 جاهزية الجيش الإسرائيلي للحرب، كشف في مقال نشرته “هآرتس”، هذا الأسبوع، أن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي والمحللين العسكريين يعرضون معلومات كاذبة بما يتعلق بادعاء سقوط آلاف القتلى من حماس وبالحرب وجها لوجه مع مقاتلي حماس، ويقول استنادا إلى معلومات من قادة وجنود في الجيش، إن عدد القتلى بين صفوف حماس هو أقل بكثير وإن الحرب بمعظمها لا تدور وجها لوجه، كما يدعي الناطق بلسان الجيش والمحللين العسكريين، كما أن معظم القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي سقطوا نتيجة عبوات ناسفة وإطلاق صواريخ، منوها أن الجيش الإسرائيلي لا يمتلك حلا سريعا ضد قوات حماس التي يتخندق معظمها في الأنفاق.
بريك يعتقد أن تدمير شبكة الأنفاق في غزة يستغرق سنوات طويلة وليس أشهرا فقط، سيتكبد الجيش الإسرائيلي خلالها خسائر فادحة، وينقل على لسان قادة عسكريين يقاتلون في غزة أنه من الصعب، وربما المستحيل، منع حماس من إعادة ترميم قوتها مجددا، على الرغم من التدمير الذي تسببت به الحرب لقواعدها في غزة، وأن التجربة تدلل على ضرورة إبقاء قوات كبيرة في غزة على مدى سنوات طويلة في حالة حرب مع حماس.
ولا تشذ إسرائيل في هذا السياق عن قاعدة عامة ترسخت منذ الحرب العالمية الثانية وتتمثل بفشل دول قوية في حروبها غير المتوازنة مع قوى أدنى قوة منها، برأي شلومو بن عامي، وهو مؤرخ ووزير إسرائيلي سابق، الذي يقول إن إرادة الطرف الضعيف صمدت في كثير من الأحيان أمام قدرة الطرف القوي، خاصة عندما كانت أهداف حربه عبثية، مثل القضاء المطلق على العدو – وهو هدف زئبقي ولا نهائي.
بن عامي يعتقد أن حرب 1967 كانت الحرب الأخيرة التي حققت فيها إسرائيل نصرا سريعا ومرتبا، بعدها لم تتحقق انتصارات باهرة خاصة في الساحة الفلسطينية، حيث تحظى القوة الأدنى في الحروب غير المتوازنة لهذا العصر بأفضلية تكتيكية حاسمة تتمثل في انتشارها بين السكان المدنيين، وفي حالة حماس من سيطرة على ساحة مدينية من الأكثر اكتظاظا في العالم، وهي ساحة معركة لم ينجح أي جيش حديث في العالم، على الرغم من كل التفوق التكنولوجي من الانتصار فيها حتى الآن، وهو يشير في هذا السياق إلى هزائم أميركا في فيتنام وأفغانستان والعراق والاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان.
وعلى غرار الفشل الأميركي في فيتنام الذي سبق أن وصفه نوعام شومسكي، بفشل البريق العلمي والتعليمي للأدمغة الجيدة في الإدارة الأميركية، التي أدارت الحرب من منطلق عدم استيعاب واستهتار كبير بالقوة المحركة لجيش الحفاة التابع للفيت كونغ والاندفاع الثوري لقيادة فيتنام الشمالية التي التفت حول هو تشي منه، ترى إسرائيل في السياق المرتبط بغزة بأنها تختار الحياة في وقت تختار حماس والفصائل الأخرى الموت ووهم اللقاء مع حوريات الجنة، وأنها تدير الحرب بعقلانية وبأفضل التكنولوجيا الغربية في وقت تتسلح حماس بدوافع لا يقف من ورائها سوى شر خالص.
ومن نافل القول إن المناورة التي قام بها بنيامين نتنياهو بـ”إطعام حماس” (بافتراض أن كل ما يحتاجه هؤلاء الجياع هو العيش) وإضعاف السلطة الفلسطينية، هي مناورة بعقلانية غربية فاشلة أرادت أن تظهر للعالم أنه حان الأوان لدفن كل مبادرة سياسية، وأن الفلسطينيين لا يمتلكون حق الفيتو ضد التطبيع مع السعودية، إلا أن هؤلاء “المتخلفون” من حماس، تحدوا، برأي بن عامي، ذكاء ضابط الكوماندو من وحدة النخبة و”أعدوا له ولنا أم المفاجآت”.
وبعكس ما يشاع، فإن المؤرخ والوزير الإسرائيلي السابق، يعتبر هجوم السابع من أكتوبر عملية عقلانية، حيث أعادت حماس بواسطتها، القضية الفلسطينية المنسية إلى واجهة المسرح العالمي وفرملت عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية وقامت بجر إسرائيل إلى حرب هي بذاتها تقر أنها حرب وجودية وحرب متعددة الجبهات، تلزمها بالاتكال على الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق منذ حرب 1973.
إضافة إلى أنها بهذه العملية وضعت نفسها (حماس) كقوة أساسية في الحركة الوطنية الفلسطينية، وسيطرت على العامل الوجداني المجند للمجتمع الفلسطيني والمتمثل بحلم تحرير الأسرى ومن شأنها أن تفرض على إسرائيل تبييض السجون، إذا ما أرادت استرجاع أسراها المحتجزين في غزة.
في غضون ذلك، إسرائيل تتحول إلى أكثر بهيمية وغباء ورئيسها يتسحاك هرتسوغ يوقع على قذائف مدفعية منطلقة نحو غزة في رسالة مخيفة، كما يكتب روغل ألفر الذي يقول إنه خدم في الجيش كضابط مدفعية ويفيدنا بأن قذائف الدبابات التي اختار هرتسوغ مهرها بتوقيعه هي سلاح غبي، وإنها بعكس الصواريخ الموجهة والدقيقة لا تميز بين مقاتلين وأطفال ونساء وغيرهم من الأبرياء.
ولعلها صفعة مدوية للمشاركين في وفود الحجيج التي أمت في الأيام الأخيرة بيت رئيس دولة إسرائيل، من أكاديميين ورجال أعمال ورجال دين من العرب الفلسطينيين، ودليل آخر على أن مؤسسات الدولة وسلطاتها المختلفة موحدة في عدائها للعرب والفلسطينيين.