«المال السياسي» يهدد الانتخابات المصرية وتوجيهات رئاسية لـ«ضمان النزاهة»

تصاعدت المخاوف والتحذيرات في مصر بشأن ظاهرة شراء الأصوات مع اقتراب المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المقرر انطلاقها يومي 7 و 8 نوفمبر 2023. وتأتي هذه التحذيرات من مراقبين سياسيين ومنظمات مجتمع مدني، بالإضافة إلى جهات رسمية، وسط تقارير عن محاولات لتوظيف “المال السياسي” للتأثير على نتائج التصويت. وتستهدف هذه الجهود الناخبين في الدوائر الانتخابية المختلفة، مما يثير تساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية.
تتركز المرحلة الثانية من الانتخابات في 13 محافظة مصرية، وتشمل الدلتا والقناة وبعض مناطق القاهرة الكبرى والصعيد. وقد أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن اتخاذ إجراءات لمواجهة هذه الممارسات، لكن المخاوف لا تزال قائمة بشأن مدى فعالية هذه الإجراءات في ظل الانتشار الواسع لهذه الظاهرة. وتعتبر هذه الانتخابات مهمة لتشكيل البرلمان الجديد الذي سيمارس دورًا تشريعيًا ورقابيًا خلال الفترة القادمة.
تزايد ظاهرة شراء الأصوات والمال السياسي في مصر
يشير مصطلح شراء الأصوات إلى تقديم أموال أو هدايا أو خدمات للناخبين بهدف التأثير على اختيارهم للمرشحين. ويعتبر هذا الفعل جريمة يعاقب عليها القانون، لكن صعوبة الإثبات ووجود طرق ملتوية تجعل من مكافحتها تحديًا كبيرًا. المال السياسي، وهو مصطلح أوسع، يشمل جميع أشكال الإنفاق غير القانوني أو غير الشفاف في الحملات الانتخابية، بما في ذلك التبرعات غير المعلنة واستخدام الموارد الحكومية لصالح مرشحين معينين.
أسباب تصاعد الظاهرة
يعزو مراقبون سياسيون عدة أسباب لتصاعد هذه الممارسات. من بين هذه الأسباب ضعف الوعي السياسي لدى بعض الناخبين، والظروف الاقتصادية الصعبة التي قد تدفع البعض إلى بيع صوته مقابل مبلغ من المال. بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن غياب الرقابة الفعالة على تمويل الحملات الانتخابية يساهم في انتشار المال السياسي.
الإطار القانوني لمكافحة شراء الأصوات
يُجرّم القانون المصري صراحةً شراء الأصوات، وتتراوح العقوبات بين الحبس والغرامة. وتنص المادة 178 من قانون العقوبات على معاقبة كل من أعطى أو وعد بإعطاء ناخب مبالغ مالية أو أي منفعة أخرى مقابل الإدلاء بصوته بطريقة معينة. كما أن قانون مجلس النواب يتضمن أحكامًا تتعلق بتمويل الحملات الانتخابية، ويشترط الإفصاح عن مصادر التمويل والالتزام بالحدود القصوى للإنفاق.
ومع ذلك، يواجه تطبيق هذه القوانين صعوبات عديدة. فإثبات جريمة شراء الأصوات يتطلب جمع أدلة قاطعة، وهو أمر ليس بالسهل في ظل سرية هذه الممارسات. كما أن هناك تحديات تتعلق بتحديد مصادر التمويل غير القانوني للحملات الانتخابية.
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن تخصيص خطوط ساخنة وتلقي البلاغات المتعلقة بمخالفات انتخابية، بما في ذلك حالات شراء الأصوات. كما أكدت على أنها ستتعاون مع الأجهزة الأمنية والقضائية للتحقيق في هذه البلاغات واتخاذ الإجراءات اللازمة.
تزايدت أيضًا جهود منظمات المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات وتوثيق أي مخالفات. وقامت بعض هذه المنظمات بتنظيم حملات توعية للناخبين حول مخاطر شراء الأصوات وأهمية المشاركة الحقيقية في العملية الانتخابية.
يرى خبراء قانونيون أن تعزيز الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية يعتبر خطوة أساسية لمكافحة المال السياسي. ويقترحون إنشاء هيئة مستقلة للرقابة على تمويل الحملات الانتخابية، ومنحها صلاحيات واسعة للتحقيق في المخالفات وفرض العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، يؤكدون على أهمية تفعيل دور المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات وكشف أي ممارسات غير قانونية.
تتزامن هذه التحذيرات مع نقاش عام حول دور المال في السياسة المصرية. ويرى البعض أن المال السياسي يهدد الديمقراطية ويؤدي إلى تمثيل غير عادل للمصالح المختلفة في البرلمان. في المقابل، يرى آخرون أن المال ضروري لتمويل الحملات الانتخابية، وأن الرقابة على التمويل يجب أن تقتصر على ضمان الالتزام بالقانون وعدم وجود مصادر تمويل غير مشروعة.
الانتخابات النيابية، بشكل عام، تعتبر فرصة لتجديد الحياة السياسية وتعزيز المشاركة الشعبية. ومع ذلك، فإن وجود ممارسات مثل شراء الأصوات والمال السياسي يقوض هذه الفرصة ويؤدي إلى فقدان الثقة في العملية الديمقراطية.
من المتوقع أن تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات عن النتائج النهائية للمرحلة الثانية من الانتخابات في غضون أيام قليلة بعد انتهاء التصويت. وسيكون من المهم مراقبة ردود الفعل على هذه النتائج، وتقييم مدى تأثير الإجراءات التي اتخذتها الهيئة لمكافحة المخالفات الانتخابية. كما يجب متابعة أي تحقيقات تجريها الجهات المختصة في البلاغات المتعلقة بـشراء الأصوات والمال السياسي.

