«النواب» المصري يغادر القاهرة نهائياً إلى العاصمة الجديدة

ودّع مجلس النواب المصري مبنى البرلمان التاريخي في منطقة باب اللوق بالقاهرة، وذلك بشكل نهائي بعد انتقاله إلى المقر الجديد في العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية. يأتي هذا الانتقال بعد قرابة 160 عامًا قضاها المجلس في موقعه السابق، ليشكل نهاية حقبة وبداية فصل جديد في تاريخ المؤسسة التشريعية في مصر. وقد بدأ نقل الأثاث والمستندات بشكل فعلي في الأشهر الأخيرة، واكتمل الانتقال بشكل كامل في نهاية الأسبوع الماضي.
القرار بترك المقر التاريخي والانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة يعود إلى خطة شاملة لنقل المؤسسات الحكومية الرئيسية إلى العاصمة الجديدة، والتي تهدف إلى تخفيف الضغط على القاهرة الكبرى وتوفير بيئة عمل حديثة ومتطورة. تم الإعلان عن هذا الانتقال بشكل رسمي من قبل الأمانة العامة لمجلس النواب، وأكدوا على استمرار عمل المجلس بشكل طبيعي من المقر الجديد.
تاريخ مجلس النواب المصري ومبناه القديم
يعود تاريخ البرلمان المصري الحديث إلى عام 1867، عندما تأسست “المجلس الشورى الموقر” في عهد الخديو إسماعيل. ومع ذلك، فإن المبنى الذي شهد معظم جلسات المجلس على مر السنين، والذي تم التخلي عنه مؤخرًا، يعود إلى فترة لاحقة.
تطور المبنى عبر العصور
بدأ بناء مبنى البرلمان الحالي في عام 1908، واستغرق إنجازه حوالي 13 عامًا، وافتتح رسميًا في عام 1921. صممه المهندس المعماري الفرنسي جورج هيربين، ويتميز بتصميمه المعماري الفريد الذي يجمع بين الطراز الإسلامي والأوروبي. شهد المبنى العديد من الأحداث السياسية والتاريخية الهامة، بما في ذلك ثورة 1952، وحرب السويس، وحركة التصحيح.
على مر العقود، خضع المبنى لعدة عمليات ترميم وتجديد للحفاظ على هيكله وجماله. ومع ذلك، مع التوسع الحضري في القاهرة وتزايد الضغط على البنية التحتية، أصبح من الواضح أن نقل المجلس إلى موقع جديد هو الحل الأمثل لضمان استمرارية عمله بكفاءة.
أسباب الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة
لم يكن قرار الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة مفاجئًا، بل جاء تتويجًا لعدة سنوات من التخطيط والتحضير. تعتبر العاصمة الإدارية الجديدة مشروعًا تنمويًا ضخمًا تهدف الحكومة المصرية من خلاله إلى إنشاء مدينة حديثة ومتكاملة، قادرة على استيعاب النمو السكاني والاقتصادي المتزايد.
أحد الأسباب الرئيسية للانتقال هو توفير بيئة عمل أكثر ملاءمة للموظفين والمسؤولين. يتميز المقر الجديد في العاصمة الإدارية بمساحات واسعة ومرافق حديثة، بالإضافة إلى توفير خدمات سكنية وترفيهية متكاملة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الموقع الجديد يسهل الوصول إليه من مختلف أنحاء القاهرة والمحافظات الأخرى، مما يقلل من الازدحام المروري ويوفر الوقت والجهد.
كما أن الانتقال يتماشى مع رؤية الدولة المصرية للتنمية المستدامة، والتي تركز على بناء مدن ذكية ومستدامة، قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية. تعتبر العاصمة الإدارية الجديدة نموذجًا للمدينة الذكية، حيث تعتمد على أحدث التقنيات في مجالات الطاقة والنقل والاتصالات.
التحديات والآثار المترتبة على الانتقال
على الرغم من المزايا العديدة للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، إلا أنه لم يخلُ من بعض التحديات. أحد أهم هذه التحديات هو التأكد من نقل جميع المستندات والأرشيفات الهامة بشكل آمن وسليم. وقد قامت الأمانة العامة لمجلس النواب بتشكيل لجان خاصة للإشراف على عملية النقل وضمان عدم فقدان أي مستندات.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك بعض المخاوف بشأن تكلفة الانتقال، والتي تقدر بملايين الجنيهات. ومع ذلك، أكدت الحكومة المصرية أن التكلفة مبررة بالنظر إلى الفوائد طويلة الأجل التي ستعود على الدولة والمواطنين.
أما بالنسبة للآثار المترتبة على الانتقال، فمن المتوقع أن يشهد المقر القديم في باب اللوق تحولًا إلى معلم ثقافي وسياحي. أعلنت الحكومة المصرية عن خطط لتحويل المبنى إلى متحف أو مركز ثقافي، يعرض تاريخ البرلمان المصري ويستقبل الزوار من مختلف أنحاء العالم. هذا التحول سيساهم في الحفاظ على المبنى التاريخي وإبراز قيمته المعمارية والثقافية. كما أن عملية نقل المقرات الحكومية ستؤثر على حركة المرور في القاهرة، وربما على أسعار العقارات في المناطق المحيطة بالمقر القديم.
من الجوانب الأخرى التي يجب مراقبتها، هو مدى تكيف الموظفين والمسؤولين مع بيئة العمل الجديدة في العاصمة الإدارية. قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتمكن الجميع من التأقلم مع النظام الجديد والخدمات المتاحة.
الخطوات المستقبلية
بعد الانتهاء من عملية الانتقال، من المتوقع أن تركز الحكومة المصرية على استكمال تطوير العاصمة الإدارية الجديدة، وجذب المزيد من الاستثمارات إليها. كما سيتم العمل على ربط العاصمة الإدارية ببقية المدن والمحافظات من خلال شبكة مواصلات متطورة، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والمطارات.
من المقرر أن يعقد مجلس النواب أولى جلساته الرسمية في المقر الجديد خلال الأسابيع القليلة القادمة. ومع ذلك، لا يزال هناك بعض التفاصيل التي تحتاج إلى تحديد، مثل ترتيبات الأمن والنقل والإقامة.
يبقى متابعة أداء المجلس في المقر الجديد، وتقييم مدى نجاح عملية الانتقال في تحقيق الأهداف المرجوة، أمرًا بالغ الأهمية. كما يجب مراقبة التطورات المتعلقة بتحويل المبنى القديم إلى معلم ثقافي وسياحي، والتأكد من الحفاظ على هويته التاريخية.

