بعد مجازر ها في غزة.. “إسرائيل” تصدّر رواية الضحية عبر حادثة أستراليا | الخليج أونلاين

في محاولة يائسة لتشويه الحقائق واستغلال الأحداث الجارية، تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي سعيها الدائم لتحويل الجاني إلى ضحية، وذلك من خلال استثمار المآسي العالمية لصالح روايتها الأمنية. آخر هذه المحاولات تجلت في استغلال حادثة إطلاق النار المأساوية في سيدني بأستراليا، حيث سارعت الجهات الإسرائيلية الرسمية والإعلامية إلى ربط الحادثة بشكل غير مبرر بفلسطين والمسلمين، في محاولة واضحة لصرف الأنظار عن جرائمها المتواصلة في قطاع غزة. هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل هي جزء من حملة دعائية منظمة تهدف إلى تبرير العنف والاحتلال، وتشويه صورة المقاومة الفلسطينية.
استغلال مأساة سيدني: تبرير لجرائم غزة
لم تكد حقيقة حادثة سيدني تتضح حتى بدأت الآلة الدعائية الإسرائيلية في العمل. تم تصوير الحادث على أنه دليل إضافي على “التهديد الإسلامي” و”معاداة السامية” المتزايدة، مع تجاهل تام لأي سياق آخر قد يكون أدى إلى هذه المأساة. هذا التلاعب الإعلامي يهدف بشكل أساسي إلى تبرير القصف والتدمير الذي يلحق بقطاع غزة منذ أكتوبر 2023، والذي أسفر عن استشهاد آلاف المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير البنية التحتية بشكل كامل.
الهدف من هذا التوظيف هو إقناع الرأي العام الدولي بأن العنف الإسرائيلي هو رد فعل طبيعي على “التهديد” الذي يمثله الفلسطينيون، وليس نتيجة مباشرة لسياسات الاحتلال القمعية. هذا التشويه يمثل محاولة سافرة لتحويل مسار النقاش العالمي من جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل إلى خطاب الكراهية والتضليل.
خطاب الضحية: أداة دعائية إسرائيلية
إن استغلال حادثة سيدني يندرج ضمن نمط سلوكي متكرر من قبل دولة الاحتلال، وهو تبني “خطاب الضحية”. هذا الخطاب يهدف إلى تقديم إسرائيل على أنها دولة ضعيفة مهددة، تتطلب حماية ودعمًا غير مشروطين من المجتمع الدولي.
الكاتب والمحلل السياسي محمود حلمي يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول استغلال حادثة إطلاق النار الأخيرة في أستراليا لتكريس هذا الخطاب وفرض روايته الأمنية أمام المجتمع الدولي. وأضاف حلمي في حديث لـ “الخليج أونلاين” أن إسرائيل تتناسى تاريخها الدموي في غزة، حيث ارتكبت مجازر مروعة بحق المدنيين العزّل، وتحاول اليوم الهروب من هذه الحقيقة عبر توظيف أي حادث خارجي يخدم صورتها في الغرب.
تضليل الرأي العام وصرف الأنظار
أوضح حلمي أن أهداف إسرائيل من هذا التوظيف الإعلامي تتجلى في تضليل الرأي العام الدولي، والسعي من خلال ربط حادثة أستراليا بخطاب الإرهاب الإسلامي إلى صرف الأنظار عن جرائمها في غزة، والتي تواجه بسببها ضغوطًا متزايدة في المحافل الدولية. إنها محاولة لقلب الطاولة، وتحويل المعتدي إلى مدافع عن النفس، والجاني إلى ضحية.
استهداف الاعتراف بفلسطين
لم يقتصر استغلال إسرائيل لحادثة سيدني على تبرير جرائمها في غزة، بل امتد ليشمل مهاجمة القرار الأسترالي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. فقد سارعت القيادة الإسرائيلية إلى الربط بين الحادثة وبين هذا القرار، مدعيةً أنه يشجع على “التطرف” و”معاداة السامية”.
هذا الربط الزائف يهدف إلى إثارة الرأي العام الأسترالي والضغط على حكومته للتراجع عن قرارها. كما يمثل محاولة واضحة لتشويه صورة النضال الفلسطيني، وربطه بالإرهاب والعنف. إنها رسالة موجهة إلى دول العالم مفادها أن الاعتراف بفلسطين سيقابل باتهامات باحتضان “الإرهاب”، وهو ما يشكل رادعًا دبلوماسيًا لأي دولة تفكر في السير على خطى أستراليا.
تحويل الجاني إلى ضحية: استمرار التضليل
إن محاولات إسرائيل لتحويل الجاني إلى ضحية، من خلال استغلال الأحداث المأساوية مثل حادثة سيدني، هي استمرار لسياسة التضليل والتلاعب بالحقائق التي تمارسها منذ عقود. ورغم هذه المحاولات، فإن الوعي الدولي يتزايد، وشعوب العالم باتت أكثر قدرة على تمييز الحقيقة من الزيف.
كما يشير حلمي، فإن إسرائيل تتجاهل أن المجازر في غزة ليست حادثًا عابرًا، بل جريمة لن تمحى بتقارير مضللة. إن استمرار الاحتلال في سياسة التضليل قد يعمق الفجوة بينه وبين الرأي العام العالمي، ويزيد من حالة العزلة الأخلاقية والسياسية، رغم ما قد يحققه من مكاسب دعائية قصيرة المدى.
إن فهم هذه الاستراتيجية الدعائية الإسرائيلية، وكشف زيفها، هو خطوة ضرورية نحو تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، ووضع حد لمعاناته الطويلة. يجب على المجتمع الدولي أن يرفض هذه المحاولات اليائسة لتشويه الحقائق، وأن يركز على محاسبة إسرائيل على جرائمها، ودعم حقوق الفلسطينيين المشروعة. تحويل الجاني إلى ضحية هو تكتيك قديم، لكنه لا يزال يشكل تهديدًا حقيقيًا للسلام والعدالة في المنطقة.

