حراك أميركي يمني لتعزيز الشراكة واحتواء خلافات الشرعية

أكدت سلسلة لقاءات ومشاورات حديثة بين السفير الأمريكي لدى اليمن وقيادة الحكومة اليمنية، وعلى رأسها رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضائه، تحولاً ملحوظاً في السياسة الأمريكية الرامية إلى تعزيز الشراكة مع اليمن وتعزيز وحدة الموقف السياسي. وتأتي هذه التحركات في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه اليمن، بما في ذلك جهود السلام المتوقفة والوضع الإنساني المتردي. يركز هذا التحول على دعم الشرعية اليمنية وتثبيتها كركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي.
عقد السفير الأمريكي ستيفن فاجن هذه الاجتماعات في العاصمة المؤقتة عدن خلال الأيام الماضية، وفقاً لمصادر رسمية يمنية. تطرق الحوار إلى المستجدات السياسية والأمنية والإنسانية في اليمن، ومناقشة سبل دعم جهود السلام والمفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة. وتأتي هذه اللقاءات بعد فترة من التوتر النسبي في العلاقة بين الجانبين، وتراجع الدعم الأمريكي المباشر للحكومة اليمنية.
تعزيز الشراكة ودعم الشرعية اليمنية
يعكس هذا التقارب الأمريكي الرغبة في إعادة التوازن إلى السياسة الخارجية تجاه اليمن، والتأكيد على أهمية دعم الحكومة المعترف بها دولياً. أشارت المصادر إلى أن الجانب الأمريكي أبدى تفهمه العميق للتحديات التي تواجهها الحكومة اليمنية في إدارة البلاد، وتلبية احتياجات المواطنين.
أهداف الزيارة ومخرجاتها المتوقعة
تضمنت أهداف الزيارة الأمريكية التأكيد على التزام واشنطن بسيادة اليمن ووحدة أراضيه. كما ركزت على أهمية مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، وخاصة جماعة الحوثي، التي تعتبرها الولايات المتحدة شريكاً لإيران في تقويض الاستقرار الإقليمي. يُتوقع أن تترجم هذه اللقاءات إلى دعم أمريكي متزايد للحكومة اليمنية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
إضافة إلى ذلك، ناقش الطرفان سبل تحسين الأوضاع الإنسانية في اليمن، وتوفير المساعدات اللازمة للمتضررين من الحرب. وتعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن من أسوأ الأزمات في العالم، حيث يعاني ملايين اليمنيين من الجوع والمرض والنزوح. وتشكل هذه القضية الإنسانية عنصراً رئيسياً في أجندة المحادثات بين الجانبين.
ومع ذلك، لم يتم الكشف عن تفاصيل محددة بشأن حجم ونوعية الدعم الأمريكي الإضافي الذي سيتم تقديمه للحكومة اليمنية. وتعتمد المخرجات النهائية على نتائج المفاوضات الجارية مع الأطراف الأخرى المعنية، بما في ذلك جماعة الحوثي، والمجتمع الدولي.
احتواء الخلافات الداخلية وحشد التأييد الإقليمي
بالتوازي مع دعم الحكومة اليمنية، يبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى احتواء الخلافات الداخلية بين مكونات مجلس القيادة الرئاسي. يهدف ذلك إلى توحيد الصف اليمني وتجنب أي انقسامات قد تعيق جهود السلام والاستقرار. وتولي واشنطن اهتماماً خاصاً بضمان تمثيل عادل لجميع المكونات السياسية في الحكومة اليمنية.
يُضاف إلى ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى حشد التأييد الإقليمي والدولي لجهود السلام في اليمن. وتشمل هذه الجهود التواصل مع دول الخليج، ومصر، والأردن، ودول غربية أخرى، بهدف إقناعهم بتقديم الدعم اللازم للحكومة اليمنية، والمساهمة في حل الأزمة اليمنية بشكل شامل ومستدام.
وفي المقابل، يواجه المبعوث الأممي إلى اليمن، تيم ليندنيستغروم، تحديات كبيرة في إقناع الأطراف المتنازعة بالعودة إلى طاولة المفاوضات. فقد أعلنت جماعة الحوثي في وقت سابق رفضها أي مبادرات جديدة للسلام، مطالبة بإنهاء ما تسميه “الحصار” المفروض على اليمن، ووقف الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف.
أما بالنسبة للوضع الاقتصادي، فيعاني اليمن من انهيار اقتصادي حاد، وتدهور كبير في قيمة العملة الوطنية. ويؤثر ذلك بشكل مباشر على حياة المواطنين، ويزيد من معاناتهم الإنسانية. وتعتبر إعادة بناء الاقتصاد اليمني من أهم التحديات التي تواجه الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي. وتشمل الجهود المقترحة تقديم المساعدات الاقتصادية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتنويع مصادر الدخل الوطني.
تعتبر قضية التمويل أيضاً جزءاً مهماً من هذه المعادلة، حيث تسعى الحكومة اليمنية إلى الحصول على دعم مالي من الدول المانحة لتغطية النفقات الحكومية، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. هناك حاجة ماسة إلى دعم مالي لتحسين الوضع الإنساني والاقتصادي في اليمن، وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة. يعزز هذا الدعم الشرعية اليمنية ويقلل من الاعتماد على مصادر تمويل غير رسمية.
ويرى مراقبون أن جهود الولايات المتحدة لتعزيز الشراكة مع اليمن ودعم الشرعية اليمنية تأتي في سياق التغيرات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، وخاصة تزايد النفوذ الإيراني. ويعتبر اليمن نقطة استراتيجية مهمة في الصراع الإقليمي بين إيران والسعودية، وتحرص الولايات المتحدة على الحفاظ على مصالحها في المنطقة. ويعتمد نجاح هذه الجهود على قدرة الأطراف اليمنية على تجاوز خلافاتها، والعمل معاً من أجل تحقيق السلام والاستقرار. وتأتي أهمية دعم الشرعية اليمنية كضامن لمواجهة النفوذ الخارجي.
من المتوقع أن يستمر السفير الأمريكي في لقاءاته مع مختلف الأطراف اليمنية خلال الأسابيع القادمة، بهدف تعزيز الحوار والتفاهم. كما من المتوقع أن تتواصل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة مع دول المنطقة، بهدف حشد الدعم لجهود السلام في اليمن. تبقى المفاوضات مع الحوثيين هي العامل الحاسم، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الجماعة ستغير موقفها، وتعود إلى طاولة المفاوضات. ومع ذلك، فإن هذه التحركات الأمريكية تمثل بارقة أمل جديدة في حل الأزمة اليمنية. كما أن استمرار دعم الشرعية اليمنية يعتبر أمراً محورياً في أي حل سياسي مستقبلي. ويتراقب المراقبون التطورات في الملف اليمني، وخاصة موقف جماعة الحوثي من المبادرات الجديدة للسلام.

