حراك بدنا نعيش إلى أين؟
الأحداث التي شهدها قطاع غزة ، يوم الأحد المنصرم، بالتوازي مع انتهاء جلسات الحوار في مدينة العلمين المصرية، ينطوي على أهمية بالغة تستدعي التوقّف مليّاً وبعمق من قبل كل الفصائل والسلطات، وخصوصاً من قبل حركة حماس التي تُدير الأوضاع في القطاع.
حراك “بدنا نعيش”، الشبابي، أذهل وفاجأ الكل، حين نجح في دفع آلاف الشباب في مختلف أنحاء القطاع، وفي وقتٍ متزامن، واتّسمت الاحتجاجات بجرأة عالية غير مسبوقة.
مثل هذه الترتيبات، يمكن أن تشكّل واحدةً من سمات الأحزاب والفصائل، وبالأخصّ منها، ذات الهويات الأيديولوجية، لكن هذا لا يعني أنّ هذا الحراك، محكوم لأيّ فصيل فلسطيني.
هذا الحراك يخترق الفصائل كلها، ويملأ فراغاً تركته أو عجزت عن ملئه الفصائل، بين حركتي “حماس” و”فتح”، والتي كان عليها، منذ زمنٍ طويل أن تشكّل بينها كتلة ثالثة، لممارسة الضغط على طرفيّ الانقسام وبما يؤدّي إلى إنهائه.
إذاً، الرسالة الأولى ليست موجّهة لـ”حماس” فقط، وإنّما تطال كافّة فصائل العمل الوطني على الإطلاق بما في ذلك “فتح”.
قصدت تخصيص “فتح”، لأنّها لا تملك برنامجاً، ولا تمارس دور المعارضة لسلطة “حماس” في غزة، بينما تتهم حركة “فتح” “حماس” في الضفة بأنّها تعمل على إضعاف السلطة الوطنية، والبعض يرفع مستوى التحريض، فيتّهم “حماس” في الضفة، بأنها تسعى للسيطرة على السلطة هناك.
على كل حال، وإن بدت مطالب “شباب الحراك”، ذات أبعاد تتّصل بالأوضاع المعيشية، فإنّ هذه المطالبات لا تنفصل عن الأبعاد السياسية، بل إنّه لا يمكن فصل أي قضية حتى لو كانت اجتماعية بسيطة عن أبعادها السياسية.
في هذه الحالة لا يمكن لأيّ مواطن فلسطيني وطني، سواء كان مهتماً بالسياسة، أو أنّه بعيد عن هذا الاهتمام، لا يمكن له أن يتردّد في الاختيار لصالح هذا الحراك وأهدافه لكونها تعبّر عن قطاعات اجتماعية واسعة.
وفي هذه الحالة، أيضاً، يجب على السلطات ذات العلاقة أولاً، أن تحمي الحقّ القانوني للناس في التظاهر السلمي، وأن يقتصر دور أجهزتها على تنظيم هذه الاحتجاجات، وثانياً، الاستماع إلى أصوات المحتجّين ومطالبهم، والمباشرة بمعالجة ما يمكن معالجته من هذه المطالب.
إزاء ذلك من غير المقبول استخدام العنف، لأنّ ذلك سيتسبّب في توسيع دائرة ونطاق الفوضى والاشتباك الذي لا يحلّ مشكلة، ولكن “حماس” أدركت بسرعة أبعاد هذا الحراك، وبادرت للإفراج السريع عن أربعين شابّاً في اليوم الأوّل وعن السبعة الآخرين في اليوم التالي.
هكذا تكون “حماس” نظّفت يدها من تهمة الاعتقال السياسي وآثرت معالجة الأمر بهدوء، وبعيداً عن أنظار وسائل الإعلام والمتربّصين.
وبالإضافة إلى ذلك، جرى في اليوم التالي للاحتجاجات تشغيل المُولّد الرّابع لمحطّة توليد الكهرباء، واتّخذت الشركة قراراً بخصم (50) شيكلاً فقط من تكاليف الكهرباء، للعائلات المستورة.
إن كانت هذه الإجراءات فورية، ولكنّها غير كافية لمعالجة الأزمة العميقة التي أدّت إلى هذا الاحتجاج، وليس من شأنها أن تمنع عودة الحراك والشباب إلى الشارع، في مواعيد قريبة.
تحتاج “حماس” لإدارة الوضع بشفافيّة، وأن تجيب عن أسئلة الجمهور، التي تتعلّق بالمداخيل والمصروفات، وأوجه الصرف، والإجابة عن سؤال: أين تذهب الأموال التي تجبيها الشركة.
موضوع العدّاد الذكي، ونظام (2 أمبير) ما زال يطرح شكوكاً لدى المواطن، ويطرح أسئلة كثيرة، ما يستدعي إجراءً فوريّاً، بطرح المشروع على أساس اختياري وليس إلزاميّاً.
الكثير من البيوت والمنازل، والمنشآت، اعتمدت نظام “الألواح الشمسية”، وهي بالتالي ليست بحاجة إلى نظام (2 أمبير)، ولا للعدّاد الذكي الذي يعتقد الناس أنّه نظام تذاكٍ لجمع الأموال ليس أكثر.
على أنّ القضية ليست قضية كهرباء فقط، وإن كانت هذه تخاطب مشاعر الناس في ظلّ اشتداد حرارة الصيف، ولأنّ الأمر لا يتعلّق بتقليص ساعة وصل الكهرباء، فهذه أزمة موجودة منذ سنوات، وبقي تذمُّر النّاس محصوراً في الهمس وتداول الشائعات.
وبرأينا فإنّ شعار “بدنا نعيش” ينطبق على كل أماكن وجود الفلسطينيين، وهذه ليست دعوة للتحريض، ففي غزّة يعاني النّاس من تزايد عبء الضرائب والرسوم، ومن البطالة والفقر، وانسداد الأفق لدى الشباب والقوى العاملة، ويعانون، أيضاً، من الانقسام والحصار، وحرّية الحركة، وضعف الموارد.
وفي أماكن أخرى، يعاني الناس من بطش الاحتلال، واعتداءاته بالقتل والاعتقال، وتقييد الحركة وانتهاك حرمات البيوت، والأرض والشجر والحجر، وانتهاك الكرامات والأعراض، وأيضاً، محدودية الموارد بسبب سيطرة الاحتلال على مقدّرات الشعب الفلسطيني.
الأصل في كل هذه الأزمات الإنسانية والسياسية والمعيشية يعود للاحتلال أولاً، ثمّ إلى الانقسام ثانياً، وبعد ذلك تحدّث ما شئت عن أسباب أخرى تتعلّق بالأوضاع العربية والدولية.
لقد رفع الشباب خلال احتجاجاتهم شعار إنهاء الانقسام، وطالما أنّ الحراك وقع في غزة، فإنّ ذلك يوحي بأن هذه المطالبة موجّهة لحركة “حماس”، ولكن الأمر يتعدّى ذلك إلى كل الحالة الفلسطينية.
ومع الأسف، فإنّ تحقيق هذا المطلب الجوهري، والمهمّ جدّاً، لم يعد ممكناً ليس بالتحليل فقط وإنّما بالوقائع، فلقد اجتمعت الفصائل في “العلمين” بدعوة ومشاركة مباشرة من قبل الرئيس محمود عبّاس، لكنّ المحصّلة صفر بامتياز، حيث لم يبقَ من الحوار سوى الاتفاق على تشكيل لجنة، هذا إن تشكّلت.
واقعيّاً فإنّ المطالبة بإنهاء الانقسام، تعني أنّ على أحد الطرفين “فتح” و”حماس”، أن يضع برنامجه ورؤيته جانباً، وأن يلتحق ببرنامج، وأن يخضع لحساباته، طالما أنّ طريق الانتخابات مغلق تماماً.
في تقييم لهذه الإمكانية استمعت إلى مقابلة أجراها تلفزيون فلسطين مع د. أحمد مجدلاني أمين عام “النضال الشعبي”، الذي قال: “إن الفجوة بين الطرفين “فتح” و”حماس” أوسع من أيّ وقتٍ سابق”، ولم يَرِد على لسانه أيّ قضية تم الاتفاق عليها سوى موضوع “اللجنة”.
هكذا ردّت الفصائل على أهمّ مطلبٍ لـ”الحراك الشبابي”، فيما يعني بلورة وتحديد المطالب الأخرى على نحوٍ واضح.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر