خلف “الخط الأصفر”.. تدمير إسرائيلي متسارع لشرق غزة رغم التهدئة | الخليج أونلاين

منذ سريان وقف إطلاق النار في غزة بتاريخ 10 أكتوبر 2025، يشهد القطاع تطورات مقلقة تتجاوز مجرد الهدنة الهشة، حيث تتواصل عمليات الهدم والتجريف للأراضي بشكل واسع النطاق في المناطق الشرقية، خلف ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”. هذه الأعمال تثير تساؤلات جدية حول مستقبل المنطقة، وتزامناً مع الحديث عن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، تتزايد المخاوف من محاولة فرض واقع جديد على الأرض يُصعّب عودة السكان ويعمق الأزمات الإنسانية القائمة. هذا المقال سيتناول تفاصيل هذه التطورات، والاتهامات الموجهة، وتداعياتها المحتملة على مستقبل غزة.
وقف إطلاق النار في غزة: تدمير ممنهج خلف “الخط الأصفر”
القوات الإسرائيلية تواصل عملياتها خلف “الخط الأصفر” منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار. هذا الخط، الذي يمثل منطقة تموضع وانتشار القوات بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ، يشهد وتيرة متسارعة من الهدم وتجريف الأراضي الزراعية. الجهات الفلسطينية تؤكد أن هذه المرحلة الانتقالية تُستغل لتغيير التركيبة السكانية والمادية للمنطقة، وإزالة أي أثر للمنازل والبنية التحتية، مما يقوض فرص الحياة المستقرة للسكان.
اتهامات بفرض “منطقة عازلة” وتغيير ديموغرافي
تتجه القراءات الفلسطينية نحو اعتبار هذه الأعمال ليست مجرد “أعمال عسكرية معزولة”، بل هي سياسة ميدانية مُتعمدة تهدف إلى تفريغ الشريط الحدودي من سكانه وتحويله إلى منطقة عازلة أوسع. هذا التوسع في المنطقة العازلة يقلل بشكل كبير من فرص عودة الفلسطينيين إلى منازلهم وأراضيهم، ويُعمّق أزمة الإيواء المتفاقمة.
حركة حماس اتهمت إسرائيل بخرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار من خلال نسف المنازل وتوسيع عمليات التوغل والسيطرة النارية خارج خط الانسحاب المؤقت. وأشارت الحركة إلى أن القوات الإسرائيلية تجاوزت الخط المحدد وفرضت نطاقات سيطرة نارية تتراوح بين 400 و1050 متراً، معتبرة ذلك تقويضاً للجهود المبذولة لتثبيت الهدنة وتأثيراً مباشراً على أمن المدنيين. حماس طالبت الوسطاء والضامنين بالضغط على إسرائيل للالتزام ببنود الاتفاق، مؤكدة على وجود “تدمير ممنهج” لكل مظاهر العمران.
أرقام رسمية حول “الخروقات” الإسرائيلية
المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة قدم أرقاماً تفصيلية حول الخروقات الإسرائيلية منذ بدء وقف إطلاق النار وحتى 9 ديسمبر 2025. وقد رصدت الجهات الحكومية المختصة ما مجموعه 738 خرقاً خلال 60 يوماً، موزعة كالتالي:
- 205 حالات إطلاق نار مباشر ضد المدنيين.
- 37 توغلاً لآليات عسكرية داخل مناطق سكنية.
- 358 حالة قصف واستهداف للمواطنين والمنازل.
- 138 عملية نسف وتدمير للمنازل والمؤسسات والبنايات المدنية.
هذه الخروقات أسفرت عن 386 شهيداً و980 إصابة، بالإضافة إلى 43 حالة اعتقال وصفتها الحكومة بـ”غير القانونية”. المكتب الإعلامي اعتبر استمرار هذه الممارسات “تصعيداً خطيراً” و”تقويضاً متعمداً” لجوهر وقف إطلاق النار، داعياً المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والإنسانية إلى التدخل العاجل ومحاسبة المسؤولين.
تداعيات الهدم والتجريف على مستقبل غزة وإعادة الإعمار
الكاتب والمحلل السياسي أحمد عوض يرى أن إسرائيل لا تتعامل مع وقف إطلاق النار كفرصة للتهدئة وإعادة الإعمار، بل كفرصة لتعميق ترتيباتها الأمنية والاستراتيجية، خاصة في المناطق الحدودية خلف “الخط الأصفر”. استمرار تدمير المنازل والأراضي الزراعية يهدف إلى فرض واقع ميداني جديد، وتوسيع المنطقة العازلة، ومنع الفلسطينيين من العودة إلى أراضيهم بذريعة الأمن.
هذه السياسة، بحسب عوض، تهدف أيضاً إلى تكريس التهجير القسري غير المباشر، ودفع السكان نحو عمق القطاع، مما يزيد من الاكتظاظ ويعقد جهود التعافي وإعادة الإعمار. كما أن استمرار الهدم قد يؤدي إلى إفشال ترتيبات مرحلة ما بعد الحرب، وخلق فوضى سكانية ومكانية تعرقل أي جهود دولية لإطلاق عملية إعادة إعمار واسعة أو تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق. إسرائيل تسعى من خلال هذه الأعمال إلى الحفاظ على زمام السيطرة الميدانية والأمنية.
عوض يضيف أن تدمير الممتلكات والبيئة المدنية يُستخدم كأداة ضغط غير مباشرة على فصائل المقاومة، من خلال إنهاك المجتمع وزيادة الأزمات الإنسانية والمعيشية. ما يجري شرق “الخط الأصفر” ليس مجرد خرق للهدنة، بل جزء من رؤية أوسع للسيطرة على الحيز الجغرافي والسكاني في غزة، مما يقوض فرص استقرار دائم في ظل غياب مساءلة دولية فعالة. وقف إطلاق النار في غزة يبدو مهدداً بهذه الممارسات.
الوضع الإنساني المتردي وتأثير الهدم
تأتي هذه التطورات في وقت لا تزال فيه الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة مرتفعة للغاية. عمليات إزالة الركام وإعادة تشغيل الخدمات الأساسية تسير ببطء شديد، وهناك آلاف العائلات تعيش في أوضاع سكنية هشّة، إما في مراكز إيواء مؤقتة أو في منازل متضررة جزئياً. الوضع في غزة يتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي. إعادة إعمار غزة تعتمد بشكل كبير على وقف هذه الانتهاكات والسماح بدخول المساعدات والمواد اللازمة.
في الختام، فإن استمرار عمليات الهدم والتجريف خلف “الخط الأصفر” يمثل تهديداً حقيقياً لوقف إطلاق النار في غزة، ويقوض فرص تحقيق السلام والاستقرار. يتطلب الأمر ضغطاً دولياً فعالاً لإلزام إسرائيل ببنود الاتفاق، ووقف هذه الانتهاكات، والسماح بإعادة الإعمار وتوفير الحماية للمدنيين. ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخوية والإنسانية تجاه شعب غزة، والعمل على تحقيق حل عادل ودائم لهذه الأزمة.

