Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الاخبار

رفح بوابة الإعمار المقترحة.. نموذج تجريبي أم تقسيم جديد لغزة؟ | الخليج أونلاين

في أعقاب الحرب المدمرة التي عصفت بقطاع غزة، يطفو على السطح مقترح أمريكي-إسرائيلي لإعادة الإعمار يركز على مدينة رفح كنقطة انطلاق. هذا المقترح، الذي يثير جدلاً واسعاً، يهدف إلى تقديم نموذج تجريبي لإعادة التأهيل وعودة السكان، لكنه يثير مخاوف عميقة بشأن نواياه الحقيقية واحتمالية استخدامه كأداة لتقسيم القطاع وتغيير ديموغرافيته. يكمن جوهر القضية في التوازن بين الحاجة الإنسانية الملحة والاعتبارات الأمنية والسياسية المعقدة، وفي مدى توافق هذا المقترح مع تطلعات الشعب الفلسطيني.

مقترح إعادة إعمار غزة من رفح: تفاصيل وخلفيات

تتصاعد النقاشات حول هذا المقترح في الأوساط السياسية الأمريكية والإسرائيلية، حيث ترى الإدارة الأمريكية في رفح فرصة لـ “إحياء الحياة” في غزة، من خلال إزالة الركام وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية. يشمل ذلك شبكات الكهرباء والمياه والطرقات، بالإضافة إلى إنشاء مشاريع إسكانية لاستيعاب النازحين من مناطق شمال ووسط غزة، التي تعرضت لأكبر قدر من الدمار. يُنظر إلى رفح كـ “نموذج تجريبي” يمكن تعميمه على باقي مناطق القطاع في حال نجاحه أمنياً وسياسياً.

وتشير التقديرات إلى أن حجم الأنقاض في غزة يبلغ حوالي 68 مليون طن، مما يجعل عملية إعادة الإعمار من بين أكبر عمليات البناء وإزالة الأنقاض في التاريخ الحديث. وتتطلب هذه العملية تكاليف هائلة وجهوداً دولية مكثفة. وتضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتحمل جزءاً من تكلفة إزالة الأنقاض، معتبرة ذلك شرطاً أساسياً لبدء عملية إعادة البناء.

مخاوف فلسطينية من “الترانسفير الداخلي” والهندسة الديموغرافية

على الرغم من الطابع الإنساني الظاهري للمقترح، إلا أنه يثير قلقاً بالغاً في الأوساط الفلسطينية. يخشى العديد من الفلسطينيين أن يكون هذا المقترح محاولة لتكريس واقع جديد يقوم على تقسيم غزة إلى جزر منفصلة، وفرض أمر واقع ديموغرافي جديد. هذا الأمر قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ الترانسفير الداخلي، أي نقل كتل سكانية كبيرة بعيداً عن مناطقها الأصلية، مما يضعف الوحدة الجغرافية والهوية الفلسطينية في غزة.

ويرى مراقبون أن أي خطة إعمار غزة حقيقية يجب أن تتم من خلال توافق وطني فلسطيني شامل، وضمانات دولية واضحة تمنع استغلال ملف الإعمار لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية للاحتلال. إن تحويل رفح إلى منطقة “تجريبية” تحت إدارة أمنية صارمة قد يفتح الباب أمام إنشاء منطقة عازلة مقنعة، بدلاً من أن يكون مدخلاً لإنقاذ إنساني شامل.

الترتيبات الأمنية والقوة الدولية المقترحة

يتضمن المقترح ترتيبات أمنية مشددة، وربما نشر قوة دولية في غزة، تبدأ انتشارها من رفح. وقد أبدت بعض الدول، مثل إندونيسيا وأذربيجان، استعداداً أولياً للمشاركة بقوات ميدانية، بينما تميل دول أخرى إلى المساهمة من خلال التمويل أو التدريب أو توفير المعدات اللوجستية.

لكن طبيعة التفويض الذي ستحمله هذه القوة، وحجم التنسيق بينها وبين الجيش الإسرائيلي، لا يزال غامضاً. هذا الغموض يثير المزيد من المخاوف بشأن استقلالية هذه القوة وقدرتها على حماية حقوق الفلسطينيين.

مقاربات متباينة في إسرائيل وتحديات الإعمار

لا يوجد توافق كامل داخل إسرائيل حول هذا المقترح. فمن جهة، يخشى بعض القادة من أن السماح بعودة كثيفة للسكان إلى رفح قبل “التطهير الكامل” من عناصر المقاومة قد يسمح بإعادة بناء البنية التنظيمية والعسكرية لحركة حماس. ومن جهة أخرى، يرى آخرون أن الإبقاء على مشهد الدمار والفوضى الإنسانية سيؤجج الغضب الشعبي ويضر بالمصالح الإسرائيلية على المدى الطويل.

بالإضافة إلى ذلك، تشير التسريبات إلى أن إسرائيل تسعى إلى إخضاع العائدين إلى المناطق المعاد إعمارها لفحوصات أمنية مشددة، بهدف منع عناصر المقاومة من العودة والاندماج بين المدنيين. هذا الإجراء يثير مخاوف من تحويل رفح إلى منطقة شديدة الرقابة، تُدار بمنطق “المعسكر الأمني”.

عقبات رئيسية أمام نجاح المقترح

يرى الكاتب والمحلل السياسي محمود حلمي أن المقترح الأمريكي-الإسرائيلي يهدف إلى صياغة نموذج “آمن” و”قابل للسيطرة” يمكن تسويقه دولياً. لكنه يشدد على أن فرص نجاحه تصطدم بعدة تحديات، أبرزها غياب التوافق الفلسطيني الداخلي ورفض إسرائيل إشراك حماس في أي صيغة للحكم أو الأمن في غزة.

ويضيف حلمي أن إسرائيل تسعى إلى فرض إعمار مشروط يخدم أهدافها الأمنية، من خلال التحكم في حركة السكان ومنع عودة البعض إلى مناطقهم الأصلية. ويحذر من أن الشارع في غزة سينظر بعين الريبة إلى أي مشروع إعمار يُستخدم كأداة لإعادة التهجير أو فرض أمر واقع جديد.

الخلاصة: مستقبل غزة على المحك

إن مقترح إعادة إعمار غزة من رفح يمثل نقطة تحول حاسمة في مستقبل القطاع. فبين الرغبة الدولية المعلنة في “إحياء الحياة” في غزة، ومحاولة الاحتلال استثمار الإعمار لخدمة أجندته الأمنية، تبدو رفح على أعتاب مرحلة مفصلية.

إما أن تكون بوابة لبدء تعافٍ حقيقي يحترم حقوق الناس وكرامتهم، ويضمن عودتهم إلى ديارهم، أو محطة جديدة لإعادة إنتاج المأساة في ثوب عمراني جديد. يتطلب تحقيق الخيار الأول رؤية وطنية فلسطينية شاملة، وضمانات دولية قوية، والتزاماً حقيقياً بإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل والدائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *