سموتريتش: هذيان العظمة في وقت الانكسار
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في دراسة له اكتسبت رواجا حول الصراع في فلسطين التاريخية تحت عنوان “خطة الحسم: مفتاح السلام موجود في اليمين” كتب عن خطته لإنهاء الصراع، طبعاً بعد أن ساق سلسلة من الأخطاء التاريخية الكبيرة لشرح تاريخ فلسطين، مع أنه يقول إن الاسم فلسطين اخترعه الرومان لهذه البلاد بعد قمع تمرد اليهود وتبناه العرب في القرن السابع، ثم بعد ذلك اطلقه السكان العرب في “أرض إسرائيل” على هذا الوطن في إطار محاربتهم للحركة الصهيونية. وللحقيقة يقر علماء الآثار اليهود الإسرائيليون أن الرواية التوراتية لا تصلح للتأريخ بعد حوالي قرن من البحث والتنقيب عن الآثار لم يجدوا شيئاً يثبت أنهم كانوا هنا. والرواية التوراتية بالرغم من عقمها ذكرت الفلسطينيين في مرات عديدة عندما تحدثت عن غزو اليهود للبلاد. ولكن هذا ليس موضوعنا الآن بل ما يطرحه هذا العنصري كحل لحسم الصراع.
يقول سموتريتش، إن “حل الدولتين أوصل إسرائيل إلى طريق مسدود ويأس من إمكانية إنهاء الصراع والتوجه نحو “إدارة” الصراع كقدر قاس وأبدي. والبدائل متعلقة باستعداد المجتمع الإسرائيلي للوصول إلى الحسم بدلاً من الإدارة. وجوهر الحسم في فهم أنه لا يوجد مكان لحركتين قوميتين متناقضتين في “ارض إسرائيل”.
ويسترسل في شرح نظريته بأن “حسم الصراع معناه تصميم وعي عملي وسياسي بأنه غرب نهر الأردن هناك مكان لتقرير مصير واحد فقط: وهو يهودي، ولن تقوم دولة عربية في قلب “أرض إسرائيل” تسمح بتحقيق التطلعات القومية العربية فيها”. ومن وجهة نظره هناك ثلاثة بدائل للفلسطينيين “عرب أرض إسرائيل” كما يسميهم:
الأول: “من هو مستعد للتنازل عن تحقيق تطلعاته القومية يستطيع أن يبقى هنا ويعيش كفرد في دولة يهودية ويتمتع بكل الرغد والخير والتقدم الذي جلبه الشعب اليهودي”.
الثاني: “من هو غير مستعد لوضع تطلعاته القومية على الرف يحصل منا على مساعدة للهجرة إلى إحدى الدول العربية الكثيرة التي يستطيع فيها العرب تحقيق تطلعاتهم القومية، أو إلى أي دولة أخرى في العالم”.
الثالث: هم الذين لا يندرجون ضمن الخيارين السابقين، وهؤلاء سيتم التعامل معهم من قبل قوات الأمن بيد قوية. وفي موقع آخر توعد بـ”قتل من يحتاج للقتل”، أي القضاء على كل من يفكر في مقاومة الاحتلال.
وهذه الخطة التي يقترحها تعتبر من وجهة نظره “عادلة وأخلاقية بكل المقاييس التاريخية والصهيونية واليهودية”.
الشيء الجيد في خطة سموتريتش أنها شديدة الوضوح، ولا تحتاج لأي شرح، فهو باختصار يريد استسلام الشعب الفلسطيني وقبوله بفكرة الدونية وأنه لا يتساوى مع اليهود على اعتبار أنهم فوق البشر بصفتهم “شعب الله المختار”. فيختارون العيش بدون كرامة أو الرحيل عن البلاد. ولا خيار ثالث سوى القتل.
وبالمناسبة هذا موقف الحكومة الإسرائيلية كلها، وليس فقط هذا المعتوه. فهي قررت ضم الضفة وشطب فكرة الدولة الفلسطينية إلى الأبد بالاستيلاء على الأرض والبناء الاستيطاني والزج بمئات الآلاف من اليهود في الضفة المحتلة وفي القلب منها القدس المحتلة. وهذه الحكومة لا تنتظر حتى يقاومها الفلسطينيون لتقتلهم وتقتلعهم، هي تفعل ذلك بمبادرات وتحت قيادة المستوطنين الذين يعتدون على الفلسطينيين وينكلون بهم. فمن يقتل إنساناً مدنياً مسالماً لمجرد أنه فلسطيني ويعيش في هذه البلاد قبل أن تطأ أقدام الصهاينة ترابها، ومن يقتلع شجر الزيتون الذي يعتبر محرماً أخلاقياً وفي كل الديانات والأعراف لا يمكن أن يحمل ذرة من الأخلاق والإنسانية، لا مجال إطلاقاً للتفاهم أو التوصل إلى أي حل أو اتفاق معه وهو بالتأكيد ينتمي لحثالات البشر.
الحكومة الإسرائيلية تقدم لنا خدمة جليلة بأنها تكشف برامجها وسياساتها وتطلعاتها بصورة جلية وتسهل علينا مواجهتها في كل المحافل والميادين. ولكننا لا نستغل هذه الفرصة ولا نفعل الكثير، فقط نردد مواقف وشعارات أكل عليها الدهر وشرب. فدعوة إسرائيل – على سبيل المثال – للالتزام باتفاقيات هو ضرب من ضروب التخلف السياسي والسذاجة غير المعقولة. والإبقاء على العلاقة معها بما في ذلك الاعتراف الثمين الذي قدمته منظمة التحرير الفلسطينية هو تنازل يصب في خانة ما يريده سموتريتش الذي يهذي في زمن انكسار إسرائيل وتدهورها نحو الحضيض.
علينا وبشكل عاجل وفوري وضع خطة محكمة لمعاقبة إسرائيل وحشرها في الزاوية وتجريدها من أي شرعية. ولنستفيد من حركة الاحتجاج التي تعم إسرائيل رفضاً لسياسة الحكومة حتى لو كانت في الشأن الداخلي. فما يحدث في إسرائيل يعري جماعة سموتريتش ويظهرهم كفئة عنصرية ديكتاتورية فاقدة للتوازن وتتنكر لأبسط القيم الإنسانية والديمقراطية. وهنا يتوجب على كل الفلسطينيين في الداخل مراجعة موقفهم من المشاركة في التظاهرات وعدم الوقوف موقف المتفرج، حتى لو قاموا بالتظاهر في مدنهم وقراهم ورفعوا شعاراتهم الخاصة وعبروا عن مواقفهم ورفضهم للسياسات العنصرية بحقهم وللاحتلال القائم ضد شعبهم. فبقاؤهم خارج معادلة التأثير هو أكثر ما يريح نتنياهو وزمرته.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر