سورية في عين العاصفة |
ما إن توقّف إطلاق النار الهش على الجبهة اللبنانية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى اندلعت الحرب في سورية، بما ي فتح ثغرة جديدة لاستمرار وتوسّع الحرب الإقليمية.
الصواعق في الميدان السوري كثيرة، متعدّدة الأدوات والولاءات، والأهداف، والممولون لا يزالون على عهدهم.
المسمّيات التي باشرت على نحو مباغت بهجوم كاسح، على حلب وريفها وإدلب، وتواصل هجومها نحو حماة وسط سورية كلها تحمل أسماء إسلامية، من “النصرة” إلى “هيئة تحرير الشام”، إلى “داعش” إلى مسمّيات أخرى، البعض يصفها بالإرهابية، والبعض الآخر بالمقاومة المسلّحة، أو الثورة المسلّحة، وكلّ ذلك بحسب رؤية الأطراف التي تساندها، أو تتعارض معها.
أميركا وحلفاؤها موجودون في مناطق إنتاج الغاز والنفط، وتركيا موجودة، والأرجح أنها من يقف خلف القوى الإسلامية التي تقوم بالهجوم، و”قوات حماية الشعب”، و”قسد” الكرديّتان تسيطران على ثلاث محافظات، وبطبيعة الحال النظام السوري، مدعوماً بإيران وروسيا.
ما هو واضح أن لكل طرف من هذه الأطراف أهدافه الخاصة، ويكذب أغلبية هؤلاء، حين يتحدثون عن الحرص على وحدة الأراضي السورية وأنّ الأمر متوقّف على دفع العملية السياسية.
إذا كانت تركيا تبرّر وجودها العسكري وعملياتها، بالحرص على أمنها القومي المهدد، في حال نجحت القوى الكردية في إعلان سيادتها وإقامة كيانها في المناطق التي تسيطر عليها، فإنّ دعمها للقوى الإسلامية المتطرّفة التي اجتاحت حلب وفي طريقها إلى حماة، يفضح تلك المزاعم، ويُفصح عن أطماع إقليمية.
أميركا تتلاعب بالأكراد، حيث تقدم لهم الدعم في مواجهة النوايا التركية، وتمتنع حتى الآن عن تشجيعهم ودعم إعلان الانفصال، ولكنها تبقى هذه الورقة بيدها رهناً بالوقت، ووضوح سياسات الآخرين، بينما هي تقيم قواعد عسكرية بدعوى مكافحة الإرهاب “الداعشي” الذي خلقته، وهي حريصة على بقائه.
إسرائيل موجودة خلف وإلى جانب الجماعات والقوى الطامعة في تفكيك وتقسيم الدولة السورية، وتمارس حرّيتها في إضعاف النظام، ومواصلة القصف بدعوى طرد الوجود الإيراني، ووجود “حزب الله” اللبناني.
الحسابات متضاربة بشدة، فالنظام ضعيف، وروسيا منشغلة بحربها في أوكرانيا، ومواجهتها للغرب الرأسمالي، وإيران، في حيص بيص من أمرها، ولا تتوقّف عن إعلان دعمها للنظام، ولكن دون أن تقدم دعماً فعّالاً في مواجهة تقدم الجماعات المسلحة الإرهابية.
تقول إيران، إنها مستعدة لإرسال قوات إلى سورية، إذا طلبت الحكومة السورية ذلك، ولكن إن حصل هذا فثمّة احتمالات لصدام بين إيران وتركيا، قد لا يتجاوز تدهور العلاقات بين البلدين.
النظام السوري وقع في خطيئة أخرى، حين تعمّد تعطيل العملية السياسية مع قوى المعارضة السلمية الديمقراطية، التي تعمل وفق أجندة وطنية ملتزمة بوحدة أراضي الدولة السورية.
إذا كانت الجماعات المسلحة الإرهابية، لا تملك برنامجاً وأفقاً سياسياً، ما يجعلها بوضوح، مجرد أدوات لتنفيذ أجندات دول إقليمية ودولية، فإن ذلك يدعو النظام للتعاون بإيجابية مع الأحزاب والقوى السورية الوطنية، التي تسعى لتغيير طبيعة النظام نحو نظام ديمقراطي ينقل سورية إلى مسار آخر غير الذي هو عليه منذ عشرات السنين.
أما الخطيئة الأولى والأساسية، فهي تكمن في تجاهل النظام لطبيعة المخطّطات الاستعمارية التي تستهدف بلده والمنطقة منذ بداية ما يُعرف بـ”الربيع العربي”. وهو حال العرب عموماً الذين يتجاهلون ما يصدر عن مسؤولين ومؤسسات إسرائيلية وأميركية، تتحدث عن توسيع دولة الاحتلال، وتغيير خارطة الشرق الأوسط.
كان لدى النظام السوري في العام الذي اندلعت فيه الاحتجاجات، أن يتوجه للتركيز العملياتي، نحو الصراع الأساسي مع دولة الاحتلال التي تحتل الجولان السوري، وكان حينها سيضع الجماعات المسلحة وداعميهم في خانة الخونة.
حتى عندما أعلنت دولة الاحتلال سيادتها على الجولان المحتل، بدعم من إدارة دونالد ترامب السابقة، لم تفعل الحكومة السورية شيئاً سوى التصريحات الفارغة.
منذ “حرب حزيران 67″، وبعدها “حرب تشرين 73″، خاض النظام السوري، صراعات بعيدة عن الجولان المحتل، وبقيت جملته المشهورة أمام الاعتداءات الإسرائيلية، أنه سيردّ في الوقت والمكان المناسبين ليظهر أنه سيرد من خلال اللبنانيين مرة ومن الفلسطينيين مرة أخرى.
إذا كان أمر مراجعة التاريخ من دون الاستفادة من دروسه، لم يعد مهمّاً، لأنّ هذا الإدراك العربي لأبعاد ما يجري وما ينتظر، لم يتبعه عمل جدي، فإنّ ما تتعرّض له سورية ليس سوى واحدة من مقدّمات ما ينتظر الراجفين والمتخاذلين من الزعماء العرب.
على أن ثمة ما يمكن أن يُقال هنا، ويؤكد أن منشأ الجماعات الإسلامية المتطرّفة والإرهابية من “القاعدة” إلى “داعش”، إلى “النصرة”، إلى “جند الشام”، و”هيئة تحرير الشام”، و”الإخوان المسلمين”، هو الغرب الرأسمالي.
كل هؤلاء لم يطلقوا طلقة واحدة ضد دولة الاحتلال، وكل ما يقومون به هو تدمير المجتمعات العربية، وخدمة أجندات إقليمية ودولية تستهدف المنطقة بأكملها الواحدة تلو الأخرى.
يتهم البعض حركة حماس بأنّها لا تزال الفرع الفلسطيني لـ”الإخوان المسلمين”، ومن هذا المنطلق يُناصبونها العداء، ويتهمّونها بأسوأ الموبقات، بينما يدلّ سلوكها على أنها تتبع نهجاً مختلفاً عن نهج “الإخوان”.
“الإخوان” لم يهبُّوا لنصرة “حماس”، والمقاومة الفلسطينية رغم طول أمد الحرب الإبادية، والخسائر الباهظة التي يتكبّدها الشعب الفلسطيني.
سورية في عين العاصفة، يتفرّج العرب على ما يجري فيها كما يتفرجون على ما يجري في فلسطين، فحين يجري الحديث عن داعمي سورية لا تجد سوى روسيا وإيران، فهل يظنّ هؤلاء أنهم بمنحى عن الكارثة، فإن سقطت سورية ستبدأ المسبحة في الانفراط؟
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر