Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الاخبار

عبثية اللحظة السياسية ..! |

عاد الفلسطينيون لموهبتهم التي برعوا فيها بإتقان وهي الاختلاف، وهذه المرة بتراشق بالبيانات، كل مجموعة تصدر بياناً تعتقد أنه الشكل الأقرب لإنهاء الحرب. ووسط حالة الانقسام المزمنة يبدو الأمر أشبه بمحاولات متأخرة ويائسة بالخروج من عنق الزجاجة، وهي محاولات محدودة القيمة بعد أن تأخر الفلسطينيون كثيراً وأفاقوا بعد خمسة عشر شهراً من الإبادة تحوّل فيها قطاع غزة إلى مقبرة كبيرة يجري البحث الآن عن حارس لها.

كانت هناك منذ البداية أصوات سياسية فلسطينية عاقلة تطالب مبكراً بالبحث في اليوم التالي قبل أن يترك الأمر لإسرائيل، وشوّش عليها وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن وهو يستخدم مصطلح «اليوم التالي»، لكن تلك الأصوات كان يتم تجاهلها في أحسن الأحوال. فقد كان الأمر على طرفي الخلاف الفلسطيني يأخذ شكلاً مغايراً تقول حركة حماس أن اليوم التالي هو حماس، وعلى الجانب الآخر كانت السلطة تنتظر من بعيد إذا ما انتهت الحرب بإنهاء حكم حماس ليجيء دورها، دون أن تبذل أي جهد بالتفكير لليوم التالي.

لم تنتبه أطراف الخلاف الفلسطيني الى أن اليوم التالي في غزة سيكون اسرائيلياً بسبب تجاهلهم للأمر، وأن جيش اسرائيل يقوم بإنشاء قواعد عسكرية دائمة، ولا يخفي سياساته بالسيطرة الأمنية والعسكرية على غزة لسنوات، وأن رؤيته بمن سيحكم غزة جهات «لا حماسستان ولا فتحستان» بل أية لجنة أو جهة تعمل تحت الاحتلال بعيداً عن الفصائل الفلسطينية.

انقسمت آراء الفلسطينيين بعدة سيناريوهات، إما أن تستمر حركة حماس بالحكم وهذا يعني كمبرر لإدامة الحرب، وإما أن يتم قطع الطريق بإعلان حماس تخليها عن إدارة غزة وتحميلها للسلطة صاحبة الولاية وترك السلطة تخوض معركتها إن استطاعت، وأغلب الظن أنها ستفشل في ظل هيمنة اسرائيل على غزة والإشراف على هندستها، أو سيناريو توافق فلسطيني يتفق فيه الفلسطينيون على شيء مشترك، وهذا ما عجزت عنه الفصائل على امتداد سنوات طويلة. وكان هناك صوت لا يستهان به يقول «ألقوا كل شيء في وجه الإسرائيلي وليتحمل مسؤوليته المدنية، فليس من المنطقي أن يحتل القطاع ولا يتحمل عبء المسؤولية واستحقاقاتها المالية» وهو الخيار الذي حذرت منه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لتكلفته المادية والبشرية.

كان النقاش ومازال مأزوماً ارتباطاً بأزمة اللحظة الكلية المأزومة ويصطدم بمسألتين، الأولى أن الفلسطينيين يناقشون الأمر بعد فوات الأوان، ولم يلتقطوا الأمر مبكراً، بل هاجموا من كان يدعو لذلك، والثانية أن السيطرة الإسرائيلية لن تسمح بأي جهة أو حكم يقوم بمسؤولياته خارج إرادتها، لكن النقاش في لحظة ما يأخذ شكلاً عابثاً لا يستوي مع لحظة الدم وحجم الإبادة .

في نيسان الماضي تلقيتُ مكالمة من قيادي كبير في حركة حماس في عاصمة عربية للنقاش في مقال كنت قد نشرته، وبعد المقال انتقلنا لتساؤلات عن المخرج، حينها لم تكن إسرائيل دخلت رفح ولا أبادت الشمال ولا زالت قيادة الحركة بثقلها، وكان حزب الله يساند والمحور بكامل قوته، أي كانت اللحظة هي الأفضل للحركة قلت له: ألقوا الحِمل في حجر أبو مازن. فاجأني الرجل بأن الرئيس لا يريد قلت: اذهبوا للوسطاء واطلبوا منهم المساعدة ولا تنتظروا، فالقادم سيكون أسوأ في ظل تحالف كوني مساند لإسرائيل، ولكن تفهّموا أن أبو مازن لا يستطيع مشاركتكم في هذا الظرف، فلديكم تصنيف دولي صعب، والرئيس يدرك أن الشراكة ممكن أن تصم السلطة نفسها وهذا ربما ما سيصعب الأمر ويجعله يتجنب ذلك، مرروا هذه اللحظة الصعبة بأقل الخسائر قد نتمكن من وقف الحرب.

لم يكن يعني ذلك أن السلطة تمثل النموذج المثالي الذي يطمح له كل فلسطيني، فهي تشبه كل النظم العربية التي لم تشكل طموحاً لأي مواطن عدا عن قلة الكفاءة في إدارة العديد من الأزمات وبضمنها غزة، ولكن بين الخيارات أحياناً تختار الأقل فداحة، وإن كان خيار السلطة قد أصدر نتنياهو موقفه القاطع منه بل وعزز غيابها خلال سنوات ماضية، وهذا أحد الاتهامات التي سيتم التحقيق مع نتنياهو بسببها لسماحه بتمرير الأموال لحركة حماس حتى تظل في الحكم والحيلولة دون عودة السلطة، وهذا ما كان يجب أن يدعو الفلسطينيين للتأمل مبكراً .

لكن الحوارات العابثة التي تدار كما كل تاريخنا العابث في سنواته الأخيرة، تأخذ شكلاً لا يمكن تفسيره يبدو أشبه بدائرة مفرغة لا يمكن فهمها. فإذا كانت الفصائل تتفق في الصين على خارطة طريق، فلماذا لا تُعفي الفلسطينيين من عبث ترددها، فالوقت في غزة من دم، وإذا كانت السلطة قلقة من التوافق مع حركة حماس نظراً لتصنيفها بعد السابع من أكتوبر فلماذا تذهب هناك، وإذا كانت حركتا فتح وحماس تتفقان في القاهرة على لجنة لإدارة غزة فلماذا تؤيد السلطة بياناً يطالبها بمسؤوليتها عن غزة ولا تقول أن هذا البيان مخالف لما اتفقنا عليه؟ فلا يجوز التعاطي بهذا الشكل مع قضية على المحك وأمام شعب ينزف يومياً وإبادة لكل شيء في غزة.

لا شيء في الأفق وسط حالة الاستهتار القائمة والخشية من الفراغ وبقاء الفلسطينيين أسرى حالة التراشق، وعدم مغادرتها سيعطي للإسرائيلي ما يكفي من القوة والمساحة لصياغة المشهد كما يريد. وأخشى أن الأمر كذلكـ فالتاريخ لا يرحم العابثين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *