عقوبات قاصرة… الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

على الرغم من تجديد العقوبات الدولية ضدهم، تشير التقارير إلى أن جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن تعزز بشكل ملحوظ قدراتها العسكرية، وتحول التهديد الذي كانت تمثله في السابق إلى خطر متزايد على الملاحة الإقليمية والدولية والأمن بشكل عام. وتتعزز هذه القدرات من خلال شبكة معقدة من التحالفات العابرة للحدود، وفقًا لمصادر إقليمية وأمنية. يثير هذا التصعيد مخاوف كبيرة بشأن استقرار المنطقة وجهود السلام المستمرة.
تأتي هذه التطورات في أعقاب تجديد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للعقوبات المفروضة على قيادات حوثية بارزة، وذلك في محاولة للحد من أنشطتهم وتقويض قدرتهم على الحصول على الأسلحة. ومع ذلك، يبدو أن هذه العقوبات لم تثنِ الحوثيين عن مواصلة تطوير ترسانتهم العسكرية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة، مما يفاقم التوترات في البحر الأحمر والخليج العربي. هذا التصعيد في القدرات العسكرية الحوثية يثير أسئلة حول فعالية العقوبات الحالية.
تعزيز القدرات العسكرية الحوثية وتأثيرها على الأمن الإقليمي
تسعى جماعة الحوثيين بشكل مستمر إلى تطوير قدراتها العسكرية، وذلك من خلال عدة آليات. تتضمن هذه الآليات تهريب الأسلحة، وتصنيع الأسلحة محليًا، والاستفادة من الخبرات التقنية الخارجية، وتقوية علاقاتها مع أطراف إقليمية أخرى. وتشير التقارير إلى زيادة كبيرة في عدد وأنواع الطائرات المسيرة التي تستخدمها الجماعة، وكذلك في مدى ودقة صواريخها.
أوجه التعاون العابر للحدود
تعتمد الجماعة بشكل كبير على التحالفات العابرة للحدود لتعزيز قوتها العسكرية. تشمل هذه التحالفات، على سبيل المثال، تبادل الأسلحة والتدريب مع جهات فاعلة إقليمية، وتلقي الدعم اللوجستي والمالي منها. تتراوح هذه العلاقات بين الدعم المعلن والتنسيق الضمني، وتزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
التهديد على الملاحة الدولية
أصبح الهجوم على السفن التجارية في البحر الأحمر، والذي يقوم به الحوثيون، مصدر قلق بالغ للمجتمع الدولي. هذه الهجمات، التي تستهدف بشكل متزايد السفن المرتبطة بإسرائيل، تعطل سلاسل الإمداد العالمية وتزيد من تكاليف الشحن والتأمين. كما أنها تهدد بوقوع تصعيد عسكري أوسع نطاقًا في المنطقة، مع تدخل قوى دولية لحماية الملاحة.
بالإضافة إلى ذلك، أدت هذه الهجمات إلى إعادة توجيه حركة الشحن، مما أثر سلبًا على الاقتصاد اليمني الهش بالفعل. حيث تعتمد اليمن بشكل كبير على الواردات التجارية عبر البحر الأحمر، وأي تعطيل لهذه الواردات يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد. وتشير التحليلات إلى أن هذه الهجمات لها أبعاد سياسية بالإضافة إلى الأبعاد العسكرية والاقتصادية.
وفي رد فعل على هذه التطورات، كثفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا غاراتها على المواقع الحوثية في اليمن. تهدف هذه الغارات إلى تدمير القدرات العسكرية للجماعة وتقليل قدرتها على تهديد الملاحة. ومع ذلك، لم تؤد هذه الغارات حتى الآن إلى توقف كامل للهجمات الحوثية، بل يبدو أنها عززت تصميمهم على مواصلة القتال.
في المقابل، تبرر جماعة الحوثيين هجماتها بأنها رد فعل على الدعم الغربي لإسرائيل في حربها على غزة. وتدعي الجماعة أنها تسعى إلى الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية في غزة، وأنها لن تتوقف عن الهجمات حتى تتحقق مطالبها. هذا الموقف يعكس مدى تعقيد الصراع في اليمن وارتباطه بالصراعات الإقليمية الأوسع.
الوضع الإنساني في اليمن يتدهور باستمرار بسبب الصراع المستمر. تعاني الملايين من اليمنيين من نقص الغذاء والمياه والرعاية الصحية، وتواجه البلاد خطر المجاعة. وتفاقم التصعيد الأخير هذا الوضع، حيث تعيق الهجمات الحوثية وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين. حسب تقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي، فإن أكثر من نصف السكان اليمنيين بحاجة إلى مساعدة غذائية عاجلة.
إلى جانب ذلك، هناك مخاوف متزايدة بشأن انتشار الأسلحة التي تستخدمها الجماعة الحوثية في المنطقة. فقد أظهرت بعض التحقيقات أن أجزاء من الطائرات المسيرة والصواريخ المستخدمة من قبل الحوثيين تعود إلى دول مختلفة، مما يشير إلى وجود شبكة تهريب واسعة النطاق. هذا الانتشار يهدد باستقرار الدول المجاورة ويساهم في تصعيد التوترات الإقليمية.
أما بالنسبة للمفاوضات اليمنية، فإنها لا تزال متعثرة بسبب الخلافات العميقة بين الأطراف المتنازعة. تطالب جماعة الحوثيين بضمانات أمنية ورفع الحصار المفروض على اليمن قبل الموافقة على أي اتفاق سلام. في المقابل، يصرّ الحكومة اليمنية على تسليم الحوثيين أسلحتهم وانسحابهم من المناطق التي يسيطرون عليها.
يُتوقع أن يستمر مجلس الأمن في متابعة الوضع في اليمن عن كثب، وقد يقوم بتعديل العقوبات المفروضة على الحوثيين أو فرض عقوبات جديدة إذا استمرت الجماعة في تهديد الملاحة والأمن الإقليمي والدولي. ومع ذلك، فإن مستقبل اليمن يظل غامضًا، ويتوقف إلى حد كبير على قدرة الأطراف المتنازعة على التوصل إلى حل سياسي شامل. ستراقب الأوساط الدولية عن كثب أي تطورات جديدة في المفاوضات اليمنية، وكذلك أي تغييرات في سلوك الجماعة الحوثية.

