Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الاخبار

عن إدارة السياسة ومأساة الشعوب …!

من يدير قضيته بهذا المستوى من التبسيط لا بد أن يحصد هذه النتائج. فالتاريخ لا يجامل مبتدئي السياسة، وكثير من شعوب الأرض دفعت مستقبلها نتاج انعدام كفاءة قيادتها.

الهنود الحمر الذين كانوا جهلة أمام الإنجليزي القادم من وراء البحار، الأرمن الذين تم توزيعهم على أقاصي الأرض، الأكراد الذين وضعوا أنفسهم مشتتين متنازعي الولاءات بأجندات مختلفة …. الشعوب مدججة بالإرادة وتصنع المعجزات لكن كيف توجه القيادة تلك الإرادة ؟

تلك كلمة السر في الانتصار والهزيمة … في البقاء والفناء …كيف تستثمر تلك الإرادة هنا يتحدد مستقبل الشعوب ومن الذي ساقته الأقدار لإدارة الإرادة.

فقيادة الشعوب هي عملية إدارية بالأساس، في الولايات المتحدة ليس هناك شيء اسمه القيادة أو الزعامة بل «الإدارة الأميركية».

فقد غادرت الشعوب المتقدمة مفهوم القيادات التاريخية والزعامات التاريخية والمسميات الكبرى، فتلك بقيت حكراً على شعوب العالم الثالث التي ما زالت تتسمر عند مرحلة الراعي والرعية والقطيع وتلك المصطلحات ومشتقاتها، وحين يدور الصراع بين تلك المستويات، بين مستوى الذكاء الصناعي ومستوى السيف، مستوى القانون ومستوى الفوضى، مستوى المؤسسة ومستوى غيابها، مستوى دولة الشعب ومستوى دولة الحزب أو العشيرة أو العائلة، مستوى العلم ومستوى الخرافة من العبث أن ننتظر تكافؤاً، ومن السخرية أن تتحدث شعوبنا وشعوب العالم الثالث عن ندية في العلاقة.

في غزة أحياناً نسمع صوتاً صارخاً حتى من قبل قادة سياسيين يدعون فيه العالم للتدخل وللبدء بإعادة إعمار غزة بعد الخراب الذي حل به نتاج مغامرة الذهاب للحد الأقصى من معادلة الصراع مع قوة تملك من الوحشية ما لا تمتلكه دولة أخرى لا من حيث السلاح فقط بل الأيديولوجيا كحامل ثقافي لهذا السلاح، واستفزازه دون إجراء الحد الأدنى من حسابات العواقب لأن كل شيء لدينا يسير بالفهلوة ولأن عقولنا أبسط كثيراً من التفكير بالمستقبل وحساباته الهادئة.

فيلم «سقوط البيت الأبيض» يتحدث عن نجاح جماعة في السيطرة على المقر الرئاسي في الولايات المتحدة وتنوي السيطرة على المفاتيح النووية وإطلاق صواريخ على دول معادية، يدور حديث بين المسؤولين الأميركيين لاتخاذ قرار إنهاء الأزمة ليطالب العسكريون بقصف البيت الأبيض بما فيه الرئيس الذي يختبئ في أحد زواياه، أما السياسيون فيطالبون بالانتظار لإبداع حل وفي وسط النقاش ينطق كاتب الفيلم وسط الخلاف على لسان أحدهم قائلاً: «العسكريون يفهمون في التكتيك فقط أما السياسيون فهم خبراء الإستراتيجية».

في معظم مراجعاته للتاريخ كشاهد وناقد هو الأهم في المنطقة العربية وربما العالم التي امتدت على مساحة أكثر من ستة عقود كتب محمد حسنين هيكل خلاصة حروب التاريخ وصراعاته ومعاركه الدامية ليكتب خلاصة شديدة الأهمية أن أسباب الخراب الذي حل بالكرة الأرضية وحجم الدماء التي سالت كان سببها وصول العسكريين للسلطة فهم جريئون ومندفعون وحاسمون في اتخاذ القرار ولكنهم لا يعرفون قراءة التداعيات ولا يفهمون في الإستراتيجيا ولا تأثير قرارهم على المستقبل، وليس من الغريب حين يتم التفتيش عن كارثة أن تجد عسكرياً وصل للحكم كان يقف خلفها.

في الوطن العربي الذي شهد انحداراً كبيراً في ثلاثة أرباع قرنه الماضي بعد التحرير ووصل فقر الشعوب والظلم إلى ما هو أسوأ من تجربة الاحتلال ببساطة لأن من قاد تلك الشعوب نحو التحرير كانوا مجموعة من العسكريين الشجعان، ولكنهم عندما قرروا قيادة الشعوب قدموا تجربة ركيكة بدائية تخلو من أي بعد جدي، فالعسكريون رجال لا يقرؤون ومفهومهم للمجتمعات يتخذ شكلاً صارماً ومحدوداً ثم جاءت الانقلابات العسكرية لتزيد طين الشعوب العربية بلة، ولسوء حظ تلك الشعوب كان جميعهم من أبناء القرى وليسوا أبناء المدن وهذا مجال دراسة علم الاجتماع فأبناء القرى ليسوا ورثة ثقافة التنوع وفهم الآخر بل هم أكثر انغلاقاً وتنميطاً بحكم القرية.

في تجربة حركة حماس تحديداً في غزة سيطر العسكريون على القرار هكذا قال أكثر من مسؤول في الحركة أثناء محاولة قراءة الحدث، وكان للمخيم وتأثيراته الاجتماعية دور حاضن من ناحية كان وقود الثورة وفائض الإرادة والدم ولكنه من الناحية الأخرى كان يفتقر للإستراتيجية وقراءة المستقبل وتلك بحاجة لقراءة أخرى، فليس من المصادفة أن يشكل ياسر عرفات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير كأعلى هيئة قيادية للشعب الفلسطيني من أبناء المدن والعائلات متجنباً أبناء القرى والمخيمات وتلك أيضاً بحاجة لقراءة التجربة الفلسطينية من منظور آخر، فهناك دراسات كثيرة تدرس علم نفس السياسة يبدو أننا بحاجة لها كما أن المنطقة العربية بعد تجربتها الطويلة والمريرة من تدني كفاءة العسكر والأمن وجهلهم بالسياسة.

قد يقول قائل إن إسرائيل حكمها جنرالات وعسكريون هذا صحيح ولكن في دولة المؤسسات يكون الحاكم جزءا من المؤسسة إلى جانب القضاء والتنوع السياسي والقانون والمجتمع المدني وتأثيراته، أما دولة القبيلة التي جرى تنميطها لتلائم بسطاء السياسة فتلك أخطر ما حدث لها نتاج تجارب العسكر واحتكارهم للقرار ومغامراتهم التي لم تنتهِ في العراق وسورية بل تمددت إلى غزة لتشهد نكبتها الجديدة وتجني كل هذا الخراب.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *