عن الدولة الناقصة في المنطقة
في حواره المطول مع مجلة «تايم» تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن الخطوط العامة لسياسته الخارجية في حال فاز في الانتخابات القادمة، وقال إنه ينوي إتمام ما كان قد بدأه في ولايته الحالية، خاصة فيما يخص استكمال الحرب مع روسيا، وتعزيز الناتو، وأجاب بشكل «بشع» عن الأسئلة التي وجهت له بخصوص حرب الإبادة الإسرائيلية على فلسطين كلها، وعلى قطاع غزة على نحو أكثر ضراوة، مشيراً إلى عدم اعترافه بالمحكمة الجنائية الدولية، وأنه ليس متأكداً مما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب في غزة، بما في ذلك المحرقة التي ارتكبتها قبل أسابيع في رفح، وواصل موقفه الذي يؤكد شراكته في حرب الإبادة، وأشار إلى أن خلافه الأهم مع بنيامين نتنياهو يكمن في حل الدولتين، حيث يعتقد هو، على عكس نتنياهو بوجوب الانتقال بعد انتهاء الحرب إلى حل الدولتين.
بصرف النظر عما إن كان بايدن صادقاً أو أنه يذر الرماد في العيون بحديثه عن حل الدولتين، وذلك لتمرير ما يتلهف من أجله، وهو إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، بمن فيهم الثمانية الأميركيون، وذلك لتحقيق أحد أهداف حرب نتنياهو الذي لم يتحقق بالقوة العسكرية، وللدفع بحظه الانتخابي قدماً، وبصرف النظر – وهذا هو الأهم – إن كان بمقدوره أصلاً أن يجبر إسرائيل على التفاوض الجدي حول حل الدولتين، فضلاً عن الموافقة على ذلك الحل، الذي كما هو معروف أنه يعني إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذلك أن دولة إسرائيل قائمة منذ العام 48، وما زالت تتوسع جغرافياً وتتعاظم قوة عسكرية ونفوذاً إقليمياً، وبايدن عجز طوال أربع سنوات أمضاها في البيت الأبيض عما هو أقل كثيراً من فرض حل الدولتين على إسرائيل، وهي تحت حكم اليمين المتطرف، عجز عن فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وعجز عن إجبار إسرائيل على رفع يدها عن قرصنة أموال المقاصة الفلسطينية، وعجز عن إجبارها على لجم إرهاب المستوطنين في القدس والضفة الغربية، وعجز عن إجبار نتنياهو على إدخال مواد الإغاثة لقطاع غزة، وعجز عن إجباره على تجنب قتل المدنيين، وعجز عن إقناعه بألا تمتد الحرب إلا لبضعة أشهر فقط، وعجز عن إجباره على قبول صفقة التبادل.
كل هذا يعني أن بايدن بين احتمالين، لا ثالث لهما، إما أنه صادق وعاجز عن تحقيق أي شيء مما يقول به اليوم، وإما أنه كاذب تماماً، يقول كلاماً انتخابياً، موجهاً إلى الجمهور المتعاظم من ناخبي الحزب الديمقراطي الذي فتح عيونه أخيراً، وبدأ يلقي جانباً بثقاقة الصهيونية المسيحية التي تحدد المواقف السياسية لأميركا ولمعظم الدول الأوروبية تجاه ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، أما بنيامين نتنياهو فهو يعرف بايدن جيداً، وتحداه في التفاصيل الصغيرة، ومرّغ أنفه في التراب، خاصة حين بدأ العملية العسكرية في رفح قبل أكثر من شهر، بالرغم من تشدق بايدن وأركان إدارته كثيراً وطويلاً حول وجود خط أحمر في رفح، خاصة فيما يخص الضحايا من المدنيين، وها هو نتنياهو يواصل ارتكاب جرائم الحرب بشكل يومي، حيث يسقط ما معدله 300 مدني فلسطيني بين شهيد وجريح، فيما جيش الدولة المارقة على المجتمع والقانون الدولي، عاد ليسوي شمال قطاع غزة بالأرض، وما زال يواصل حرب التجويع، ونتنياهو يصر على مواصلة الحرب ليس لأنه يخشى من حل الدولتين وهو يعرف أن بايدن عاجز عن فرض مجرد أن تشارك إسرائيل في أي مفاوضات سلام، ونتنياهو رفض حتى التطبيع مع السعودية، لأنه يتضمن الدخول في هذا المسار، ولكن لأنه يخشى من أن يطرد من مكتب رئيس الحكومة.
لكن عجز بايدن عن فرض حل الدولتين، وهو مجرد مصطلح يهبط كثيراً بسقف الحل الأممي الذي كان شرط الأمم المتحدة لقبول دولة إسرائيل عضواً فيها، وهو قيام دولة فلسطين وفق قرار التقسيم، أي وفق ذلك الإطار القانوني، ووفق خط الحدود الذي رسمه قرار التقسيم، كذلك رفض إسرائيل قيام دولة فلسطين، بادعاءات فارغة عنصرية كريهة، تكشف أن الإسرائيليين غير قابلين للتعايش مع غيرهم، لذا فإنهم يصطدمون أولاً بالفلسطينيين، كونهم جيرانهم الأقرب، لكنهم ورغم انفتاح كثير من الأبواب أمامهم، إلا أنهم عاجزون عن التعايش مع المحيط العربي والإسلامي.
نقول رغم عجز بايدن وأميركا والمجتمع الدولي حتى اللحظة عن فرض حل الدولتين على إسرائيل ورغم رفض إسرائيل لذلك الحل، إلا أن دولة فلسطين ما زالت تعتبر دولة ناقصة في الشرق الأوسط، فيما تعتبر إسرائيل بسبب ما تثيره من مشاكل متواصلة منذ قيامها دولة مثيرة للقلاقل في الإقليم.
والحقيقة أنه يمكنننا أن نعقد مقارنة، غير مسبوقة، فالمتعارف عليه هو أن يجري إعلان قيام الدولة حتى تبدأ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الاعتراف بها، وليس هناك عملياً أي دولة في العالم، ليست عضواً في الأمم المتحدة، باستثناء بعض الكيانات التي تدار بشكل محلي، أي تتمتع بحكم ذاتي، ضمن دولة ما، أو تلك الدول التي لها هويات خاصة بها، لكنها ضمن اتحادات فدرالية أو كونفدرالية، لكن دولة فلسطين وهي لا تتمتع بسلطة مستقلة على أرضها، وهي لا تعدو كونها حكماً ذاتياً، نشأ بعد اتفاقات أوسلو مع الجانب الإسرائيلي، إلا أن أكثر من 144 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة تعترف بفلسطين كدولة، من بينها الصين والهند وروسيا، وما يقارب أكثر من 80% من سكان الكرة الأرضية، وأكثر من ذلك باتت شعوب الكرة الأرضية ترى في قيام دولة فلسطين المستقلة تحقيقاً لهدف أخلاقي للغاية، يضع حداً لعذابات شعب استمرت نحو ثمانين عاماً، وأكثر من ذلك تعتبر البشرية أن قيام دولة فلسطين هو مفتاح تحقيق السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ومن ثم في العالم، ولهذا فإن شعوب العالم تتظاهر وتتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وتندد بوحشية إسرائيل الدولة التي تهدد منذ قيامها الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
فيما إسرائيل الدولة القائمة منذ أكثر من 76 سنة، تعترف بها 165 دولة من أصل 193 فقط، أي أنها أقل كثيراً من غيرها من الدول، وليست هناك دولة عضو في الأمم المتحدة مثلها بهذا العدد من الدول التي تقيم معها علاقات دبلوماسية، وإذا كانت معظم الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين هي دول الاتحاد الأوروبي، حيث هناك عدد من الدول بدأت تعترف مؤخراً بدولة فلسطين وذلك إنقاذاً لحل الدولتين كما تقول هي، بعد أن تأكد لها أن إسرائيل ترفض ذلك الحل فعلاً وقولاً، أما الدول التي لا تعترف بإسرائيل وهي 28 دولة، منها 15 دولة عضواً في جامعة الدول العربية، وعشر أخرى أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى 3 دول متنوعة هي: كوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا.
وهذا يعني أن مشكلة إسرائيل إنما هي مع دول الجوار، أي المحيط العربي/ الإسلامي، وهي مشكلة تعايش، تفترض فيها أن تغير من طبيعتها العنصرية والمتشددة سياسياً ودينياً، وفي حين أن معظم الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين من دول الاتحاد الأوروبي فمعظم دول الجوار، أي المحيطين العربي والإسلامي تعتبر فلسطين جزءا أصيلاً وعزيزاً من المجتمعين العربي والإسلامي، وتعترف بدولة فلسطين، إضافة لمعظم دول إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وهذا يعتبر دافعاً إضافياً لقيام دولة فلسطين، وذلك لأنه إضافة إلى أن قيامها هو حق طبيعي لشعبها، فإنه يحقق رغبة وهدفاً إقليمياً عربياً وإسلامياً، لا غنى لإسرائيل عنه، لأنها ببساطة موجودة في الشرق الأوسط، وليست على جبال الألب، أو في أميركا الشمالية أو الكاريبي مثلاً.
وإذا كانت السويد أول دولة أوروبية تعترف بفلسطين وذلك منذ العام 2014، فإن دول أوروبا بدأت تعترف بدولة فلسطين تباعاً، في حين أن اعتراف الدول العربية والإسلامية بإسرائيل مشروط بقيام دولة فلسطين، انسجاماً مع الأساس القانوني الدولي، الذي يظهر حالياً على صورة حل الدولتين ولم يسقط بالتقادم، وإذا كان اعتراف دول الغرب الأوروبي والأميركي ليس شرطاً لقيام دولة فلسطين، فإن اعتراف الدول العربية والإسلامية إنما هو شرط لكي تعيش دولة إسرائيل في مناخ طبيعي وذلك بحكم الجيرة الجغرافية على أقل تقدير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر