عن حماس وواشنطن |

أثار لقاء وفد قيادي من « حماس » مع مبعوث أميركي الكثير من النقاش والجدل، وفيما كان النقد الفلسطيني الداخلي يدور حول ذهاب «حماس» للقاء وفد أميركي فإن النقاش الأهم والغائب هو التحول في الموقف الأميركي الذي مكّن حدوث مثل هذا اللقاء. صحيح أن جلوس «حماس» مع ما كانت تصفه «بالشيطان» أمر مهم ويعكس تحولاً كبيراً إلا أن الأهم أظن هو كيف يمكن لمسؤول أميركي أن يجلس مع قيادة تنظيم تضعه واشنطن في قائمة الإرهاب دون أن يثير هذا أي نقاش في الولايات المتحدة ولا في أوروبا مثلاً. ببساطة، هذا بدوره يدلل على تحول كبير في مواقف واشنطن ويشير إلى المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الرئيس الأميركي الجديد.
أخذ الأمر سنوات حتى قبلت واشنطن أن ت فتح حواراً مباشراً وعلنياً مع منظمة التحرير الذي كان يجري في تونس كما تتذكرون. قبل ذلك، كان السياسيون الفلسطينيون يجلسون مع رجالات الإدارة الأميركية بجوازات سفر عربية وضمن وفود عربية. يذكر الدكتور نبيل شعث تفاصيل ذلك في مذكراته حيث كان الوفد الفلسطيني يلتقي رجالات واشنطن كدبلوماسيين سعوديين في منزل السفير السعودي. ورغم قناعة واشنطن بضرورة التفاوض مع المنظمة إلا أن الأمر إجرائياً كان صعباً واقتضى وقتاً حتى انخرطت المنظمة في عملية سياسية وقبلت بحل الدولتين على أساس القرارات الأممية ذات العلاقة بما بعد الخامس من حزيران.
ولكن يظل السؤال – هل فعلاً ثمة تغير في موقف واشنطن تجاه «حماس»؟ بمعنى استعداد البيت الأبيض لفتح حوار طويل ومستدام مع «حماس». الجواب عن هذا السؤال غير مربوط بواشنطن بل بـ»حماس» بالطبع، فهي التي ستقرر إذا ما كانت فعلاً ستخوض في حوار حقيقي وجدي مع واشنطن. لماذا الجواب مربوط بـ»حماس»؟ ببساطة، لأنها هي التي يجب أن تستجيب لمطالب واشنطن المعروفة والمتمثلة بالشروع في عملية سياسية مع إسرائيل ووقف العمل المسلح بشكل نهائي والتحول لحزب سياسي شريك لإسرائيل في مستقبل غزة وجزء من هذا أيضاً الاعتراف بإسرائيل. سيبدأ الأمر بسيطاً وهيناً ويركز على القضايا الفنية المتمثلة بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى وغير ذلك من بروتوكولات إنسانية وسينتهي بحوار سياسي. واشنطن ودون ضمانات من «حماس» بالنظر لمستقبل العلاقة مع تل أبيب لن تفتح حواراً طويلاً مع «حماس»، ولن يكون الأمر أكثر من ممارسة ضغط من اجل إطلاق سراح الأسرى تحقيقاً لوعد ترامب. وبعد ذلك، سيواصل الرجل تنفيذ مخططاته بشأن غزة. يجب عدم الاستهانة بشيء، ويجب أن نتذكر دائماً أن الأفكار لا تموت في النزاعات بل يهدأ صخبها ربما تحت وقع البنادق أو بين ملفات المفاوضين، لكنها تعود للسطح في لحظة غير متوقعة. وعليه فإن الأمر بقدر كونه مجرد حوار إجرائي إلا أنه يحتمل أن يتطور لحوار سياسي عميق وتدخل «حماس» شريكاً في مستقبل غزة.
مثلاً، في الوقت الذي يهدد ترامب غزة بجحيم ويقول، إنه أرسل المزيد من السلاح لإسرائيل من أجل أن تحول غزة إلى هذا الجحيم، وفي الوقت الذي يصر على أنه سيقوم بتهجير سكان قطاع غزة وتحويل غزة لملكية استثمارية، يجلس فريقه مع «حماس» ويتحاور معهم حول الرهائن. مرة أخرى، هذا يعكس نمط السياسة التي ينتهجها ترامب. فهو يضع مواقفه على الطاولة وهي تمثل، أي هذه المواقف، الحد الأقصى الذي لا مانع لديه من الضغط من اجل تحقيقه، ولكن ضمن هذا لا بأس لو حصل على شيء أقل بقليل أو أقل بكثير حتى، المهم أن يتم التصرف وفق السقف الذي حدده. إنه منطق السوق الذي يرى كل شيء سلعة يتم عرضها بسعر محدد ثم يتم النقاش حول السعر وحتى حول السلعة. بالنسبة لترامب فإن المهم أن يواصل الضغط من اجل تحقيق المزيد مما يعتبره إنجازاً والمتمثل في إطلاق سراح الأسرى خاصة الذين يحملون الجنسية الأميركية؛ وبالتالي يقدم نفسه كرئيس نجح في فرض وفي تحقيق ما فشل به من سبقه وما فشل في تحقيقه حتى مجلس الأمن والجمعية العامة والعالم أجمع. الرجل المهووس بفكرة قيادة العالم رأى في الحرب البشعة على غزة وسيلة لترسيخ هذه الصورة. وأظنه نجح في تقديم نفسه كرجل يفرض وقف إطلاق النار على الأطراف، بصرف النظر من المستفيد أو من المنتصر، فهذا أمر معياري يعتمد على من يقول به.
فيما كان ترامب يقول، إن على «حماس» أن تطلق سراح كل الأسرى دفعة واحدة كان فريقه يفاوض «حماس» على إطلاق سراح الأسرى من حملة الجنسية الأميركية. كان ترامب يهدد ويتوعد ويطلب كل الأسرى دفعة واحدة محذراً من التردد ويعطي وقتاً لإطلاقهم وكان فريقه يبحث إطلاق سراح أربعة أسرى. حدث الشيء نفسه في التهديد السابق حين تم التوصل في النهاية لتسليم جثامين أسرى قتلوا في الحرب. الفكرة أن عالم السوق كما يفهمه ترامب لا يحتمل إلا الربح، وربح أي شيء أفضل من الخسارة. هكذا يواصل ترامب قيادته لمرحلة حرب غزة الثانية دون أن يتكلف جهداً إلا الكتابة على منصة «إكس».
هل ستكون «حماس» الشريك القادم؟ أيضاً يصعب الجزم، لكن أيضاً علينا أن نفهم التحول في المواقف الدولية تجاه الصراع. لم تعد هناك قضية فلسطينية واحدة، هناك قضايا فلسطينية، حيث لكل قضية خصوصية وهذه الخصوصية تتطلب حلاً خاصاً بها. مشكلة غزة، لا بد أن يكون الحل من طرف محدد. ومع تعثر جهود التوصل لصيغة بين الجامعة العربية والسلطة من جهة وبين إسرائيل وواشنطن، فإن شيطان التفاصيل يظل حاضراً ويظل ثمة فرصة لتشتيت الجهد الفلسطيني والتعاطي مع «حماس» كشريك فيما يتعلق بغزة. اقترح عدم التعويل على الخطابات الأميركية بأن لا مستقبل لـ»حماس» في غزة ولا حتى شعارات نتنياهو أيضاً.
ففي المحصلة، إن الخطة العربية دون موافقة إسرائيلية ومباركة أميركية ستكون مجرد خطة أخرى.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر