Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الاخبار

غربة وطن… شعور سكن فينا

“غُربة وطن” ليست عبارة مجازية، بل هي وجعٌ يومي يعيشه كل أحد اقتُلِع من أرضه أو عاش فيها غريبًا رغم انتمائه، فمن يفقد أمانه واستقراره يشعر بعدم الانتماء للمكان الذي يعيش به.

الابتعاد عن المكان ليس هو المقصود فقط، بل قد يكون غياب الروح في أرضٍ اعتادت أن تكون بيتًا وملاذًا، ولا تقتصر على الشخص البعيد عن بلاده وأحبابه بل هي شعورٌ يشعر به أي إنسان حتى ولو كان في وطنه.

ويشعر الفرد بأنه لا ينتمي إلى بلاده معنويًا، وذلك حين يفقد الأمن والأمان والاستقرار حتى وهو يعيش بين جدرانه، فيجد نفسه كأنه ضيف في أرضه، فقط يبحث عن الدفء ولا يجده، والوطن لا يراه إلا ذكرى يتذكرها كل حين.

ويجد بعض المهاجرين في الدول الأجنبية شعور الانتماء ولكنهم يواجهون صعوبة في بحثهم عن مكانٍ ينعم بهذا الإحساس، رغم بُعدهم عن بيتهم الأصلي جسديًا بسبب اللجوء أو التهجير.

حيث يواجه الفلسطيني مثلاً اليوم داخل أي دولة أخرى تحديات كبيرة في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، فيتم التعرض له بسبب جنسيته، من قِبل أشخاص مُعاديين للقضية ويرون أن الاحتلال الإسرائيلي هو المظلوم ويدافع عن نفسه، فيرى أن لا مكان يحتويه في هذا العالم، ويحيطه شعور عدم الأمان أينما يذهب.

السلم الأهلي وعلاقته بالاغتراب

 ويُعنى بالأمن والأمان والاستقرار هنا حالة السلم الأهلي، أي التعايش في مجتمع يسوده التفاهم والتعاون والمساندة بدلاً من الصراع والعنف، وذلك لتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع والقضاء على أسباب التفرقة والنزاع.

وتؤثر الهجرة تأثيرًا كبيرًا عليها في المجتمع سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا، فيمكن أن تؤدي إلى إحداث حالة من النزاعات والصراعات، ومن جهة أخرى تساهم في تعزيز مفهوم التفاهم والتعاون مع المجتمعات المختلفة.

يفقد الشخص هويته ويصعب عليه الاندماج بين الناس المختلفة دينيًا وعرقيًا وثقافيًا عندما لا يشعر بالقبول من الطرف الآخر من خلال نبذه أو تفرقته أو استخدام التمييز والعنصرية في التعامل سواء لأصله أو لأي سبب آخر.

ويعتبر ما يعيشه الشعب الفلسطيني وتحديدًا في قطاع غزة من تشتت، سببه الأول الاحتلال الإسرائيلي، وأيضًا وجود الأحزاب الكثيرة وتفرقة الشعب بين أكثر من فصيل وفكرة وتوجه، حيث انعكس ذلك على حياته بشكل كبير، وأدى ذلك إلى هجرة الشباب من البلاد حيث عزز لديهم مفهوم التسامح والتنوع الثقافي وعملوا على تنمية الاقتصاد لدى الدولة المضيفة.

المواطنة وعلاقتها بالاغتراب:

يمثل المواطنون جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي، حيث يساهمون في تشكيل هوية الدولة واعترافها بحقوقهم، فالمواطنة تُعزز من مفهوم الانتماء وتؤكد على أهمية المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وتعتبر الحقوق والواجبات المفروضة في أي دولة هي الركيزة الأساسية لتعزيز هذا المفهوم، مثل حق التصويت، حرية التعبير، الحماية القانونية، والتساوي أمام القانون.

وتشمل الواجبات الالتزام بالقوانين والمشاركة في المجتمع ودفع الضرائب، وذلك يؤدي إلى تعزيز هويتهم وانتمائهم نحو بلادهم وتشجيعهم على التعاون الفعال في بلادهم، وعلى نطاق عالمي تُعزز من القيم الإنسانية المشتركة وتعبر عن المسؤولية تجاه المجتمع الدولي.

ويمكن القول بشكلٍ عام أن السلم الأهلي والمواطنة هما جزءان لا يجتزئان وبدونهما يشعر الإنسان بالبُعد عن وطنه حتى ولو كان بداخله، فيعتبران عاملان أساسيان في تحقيق الاستقرار الاجتماعي و التعايش السلمي في المجتمعات التي تشهد الهجرة مثل دولة فلسطين وغيرها من الدول التي تعاني من النزاعات والصراعات والحروب.

ونجد أن العلاقة بين الثلاثة مفاهيم متشابكة، حيث تعكس التحديات والفرص التي تواجه الأفراد في مجتمعاتهم، ومن الضروري العمل على مبادرات تعزز مفهومهم لبناء مجتمع أكثر انسجامًا واستقرارًا وتقدمًا.

يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن شعور غُربة الوطن:

وطني ليس حقيبة

وأنا لست مسافر

إنني العاشق والأرض حبيبة

وغالبًا ما يردد أهل فلسطين:

“نحن لا نغادر الوطن، هو من يُغادرنا كل يوم.”

وغالبًا ما يشعر الإنسان بشعور الاغتراب بسبب ما يُفرض عليه من أسباب ومنها الاحتلال والعدوان كما يعيش قطاع غزة الآن من حرب إبادة جماعية وتحت تهديد دائم من القصف والموت والخوف فينسون معنى الحياة الطبيعية، والتهجير القسري الذي كان في نكبة عام 1948 وحتى اليوم، والواقع الاقتصادي الصعب كالفقر والبطالة وانعدام الفرص فيدفع ذلك الكثيرين إلى النزوح والإحساس بأن بلادهم لم تعد تحتضنهم، والحرمان من أبسط الحقوق كالعلاج والتعليم وحرية الحركة وحتى الحُلم.

واليوم يعيش المواطن الغزي في شتات كبير، حيث يهرب من الموت كل دقيقة، يواجه الصعوبات، يتحدى العقبات، ويستمر بالعيش رغم الألم، وكُل ذلك أدى إلى فقدانه مثومات الحياة الطبيعية التي كان ينعم به ما قبل السابع من أكتوبر 2023.

ويفقد كل دقيقة شخص من أحبابه وحتى عائلات بأكملها تُباد ولا يتبقى منها إلا فردٌ واحد، فكيف له بأن يشعر بالاستقرار وهو داخل هذا الجحيم، حيث تحولت البلاد إلى مدينة أشباح، وتبدلت ملامحها تمامًا.

ويترتب على ذلك آثار متعددة منها، نفسية كالشعور بالوحدة، الاكتئاب، وفقدان الأمل؛ واجتماعية كتراجع التماسك الاجتماعي، وتفكك الأسر؛ وثقافية كتراجع الهوية والانتماء الوطني خاصة لدى الأجيال الجديدة في الشتات؛ وسياسية مثل استمرار الانقسام، وتراجع المشاركة في قضايا الوطن.

رزان

ورغم كل ما يعيشه الشعب يبقى الأمل موجودًا، فحُبّها لا يموت، والصوت الحر لا يُسكَت، المقاومة بأشكالها، الثقافة، التعليم، الكتابة، وحتى الحُلم، كُلها أدوات لاستعادته في القلب، وسنظل جيلاً بعد جيل نؤمن بأنه ليس فقط جغرافيًا، بل هو كرامة وحق وذاكرة لا تُمحى.


غُربة الوطن جرحٌ عميق لا يُرى، لكنه يُشعَر في كل لحظة، هي غصة من بقي فيه ومن هُجّر عنه، لكنّها أيضًا وعدٌ داخلي بأننا باقون ما بقي الأمل، وأن البُعد مهما طال، لا يُطفئ نار الانتماء.

ملاحظة : هذا مخرج عملي لدورة ” الصحفيات والقيادة الإعلامية” التي نفذتها مؤسسة بيت الصحافة في الفترة من 22 إلى 30 يونيو 2025

المصدر : وكالة سوا – رزان أبو زيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *