قـمـة قـرارات أم تـنـديـد |

هل تكون القمة العربية على مستوى المتوقع منها؟ تصعب الإجابة، ولكن الكل يعرف ما هو المتوقع من هذه القمة، وبالقدر الذي قد ترتفع فيه التوقعات بالقدر الذي يجب أن تذهب القمة أبعد من تلك التوقعات؛ لأن الخطر المحدق بالمنطقة العربية أكبر من أن يتم التعامل معه بالقرارات والبيانات والشجب والاستنكار.
المطلوب هذه المرة أن تقف الدول العربية أمام مسؤولياتها بشكل حقيقي وألا تكتفي فقط بإصدار البيانات والتنديد، الأمر بحاجة لمواقف صلبة وحازمة. وبعبارة أخرى، إننا بحاجة لمواجهة حقيقية مع إدارة ترامب، مواجهة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ حتى لا نجد أنفسنا خلسة ننزلق في أتون مقترحاته أو نجد الماء يجري تحت أرجلنا دون أن نحس.
هناك أكثر من طريقة لمواجهة مثل هذه المخططات، ولكن كل هذه الطرق يجب أن تكون حقيقية ومادية وليست مجرد شعارات. لطالما خذلت القمم العربية الجمهور العربي، حتى أن خبر عقدها لم يكن خبراً مهماً باستثناء ما تبثه التلفزيونات الرسمية من أخبار وكلمات رؤساء كل دولة باعتبار هذه الكلمات « فتح مكة» المبين، فيما في الحقيقة أن المواطن العربي لم تكن تعني القمة له شيئاً.
ويندر أن يتذكر مواطن عربي تاريخ أو قرارات أي قمة. ربما فلسطينياً هناك عدد لا يتجاوز أصابع اليد من القمم التي يتذكرها الفلسطينيون خاصة قمة الرباط مثلاً وغيرها.
ما أقصده هنا أن القمم العربية لم تعد مهمة في العقود الأخيرة؛ لأن طريقة إخراج وإدارة هذه القمم والقرارات التي تتخذها لم تعن شيئاً للمواطن العربي، ولم تؤثر حقيقة على واقع المواطن العربي. حتى على صعيد الصياغات السياسات، فإن لغة بيانات القمة كانت تصل حد الحياد في القضايا المصيرية العربية، أما فيما يتعلق بالقضية الوطنية الفلسطينية فإن القمة لم تقدم للفلسطينيين شيئاً بقدر ما كانت تعيد صياغة المواقف الدولية وتضعها كمبادرات عربية. وهذا أمر آخر كيف تحولت الكثير من الدول العربية من أصحاب قضية إلى وسطاء، وهذا أمر مؤلم، ولكنه ليس بيت القصيد هنا. القمم العربية مع الوقت باتت عبئاً على السياسة العربية.
ترامب لا يهدد فلسطين ولا يهدد غزة ، وهو لا يريد أن يهجّر سكان غزة ويمتلكها أو يحولها لقاعدة عسكرية أميركية في المنطقة ربما، وربما يقيم بعض الفنادق والمنتجعات، هو لا يريد أن يفعل هذا فقط. فهو قد يقيم مثل هذه المنتجعات في أي مكان آخر في العالم. إن فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة تعني ببساطة ليس فقط إفراغ آخر ما تبقى من ساحل فلسطين واستكمال مشروع النكبة ، بل أيضاً توسّع إسرائيل وتمددها لأول مرة منذ حرب 1948 وهذا التوسع لن يتوقف عند غزة، ومن يُرد أن ينتظر حتى يأتي عليه الدور ليفعلْ، ولكنه حين يصله الدور لن يتمكن من فعل شيء. الآن يمكن للجميع وقف كل هذا.
ما أقوله، إن فكرة توسع إسرائيل وفكرة إسرائيل الكبرى لم تختفيا يوماً من العقل الصهيوني ولا من عقول غلاة المتطرفين اليهود ولا المسيحانية الصهيونية، بل ظلت دائماً حاضرة. وحديث ترامب ونتنياهو في الاتجاهات الثلاثة حول نقل الفلسطينيين شرقاً (الأردن) وجنوباً (السعودية) وباتجاه سيناء، وإبقاء الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، كل هذه إشارات توراتية وليست اعتباطية. وما قد يبدو كابوساً اليوم سنصحو من النوم ونجده جاثماً على أنفاسنا.
الفكرة أن «رأس القلم» كما وصفه ترامب لا بد أن يتحول إلى محبرة كبيرة تتمدد وفق نموها التاريخي المزعوم، ويجب أن تبتلع ما هو لها وفق التصورات الدينية غير المدعومة بأي أثر مادي، فيما في الحقيقة أنها ليست بأكثر من تصورات استعمارية كولونيالية.
يظل السؤال: ما المطلوب؟
المطلوب يجب أن يكون بقدر التحدي. لاحظوا أن كل القضايا التي طرحها ترامب ولامست المواطن الأميركي ومصالح أميركا في العالم، خاصة تلك المتعلقة بالمكسيك وكندا مثلاً، تم إيجاد طريقة ما للتراجع عنها وإعادة صياغتها بما لا يخلق توتراً لواشنطن مع دول الجوار، وبعيداً عن تصريحات ترامب التي صارت تبدو «نكتة» فيما يتعلق بالولاية الواحدة والخمسين، فإن كل ما ظل من تهديدات ترامب للعالم هو تهجير غزة، وأظن أن هذا هو بيت القصيد. هذا ما يريده ترامب من كل الوعود التي أطلقها والخطط التي تشبه أحلام إيلون ماسك بغزو الفضاء وبناء مستعمرات بشرية هناك.
أعتقد أن الدول العربية مطالبة بقطع كل العلاقات مع واشنطن على المستويات كافة، السياسية، والاقتصادية، والتجارية. قد يبدو الأمر صعباً ومستحيلاً في ظل ما يشعره المواطن من هذا الالتصاق بين واشنطن وبعض العواصم العربية، ولكن أي خيار آخر أمام الدول العربية؟ قد يقول البعض فقط «التهديد» بقطع العلاقات أو تجميدها، لكن أيضاً هذا يبدو نوعاً من الركون والاستكانة. المطلوب أن يدرك المواطن الأميركي أن ما يقوم به مجنون البيت الأبيض يؤثر عليه وعلى حياته. الأمر ليس كما يتم تداوله بأن الرجل يريد أن يستثمر في بلاد غريبة، بل أنه يتدخل في مصير شعوب المنطقة. المؤكد أن التبادل التجاري مع واشنطن يعني كثيراً للاقتصاد الأميركي ويجب وقفه، كما يجب أن يشعر المواطن الأميركي بهذا كما شعر بما تشكله خطط ترامب فيما يتعلق بدول الجوار.
قد لا تمر الخطة ويجب ألا تمر، ولكن يمكن لهذه القمة ألا تكتفي بمجرد عرض خطة عربية بديلة، بل يجب أن تكون درساً لإدارة ترامب حتى لا تواصل ابتزازها السياسي لاحقاً للمنطقة العربية. سيقول القارئ: إن هذا مجرد حلم لأن الجميع يدرك عجز الحالة العربية.. لكن سيتذكر الجميع أن مجرد طرح هذه الفكرة سيعني المزيد من الاستغوال على العرب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر