كشفتها “طاولة ميامي”.. هدنة غزة بين التقدم وخطر الانهيار | الخليج أونلاين

غزة اليوم عند مفترق طرق، حيث يواجه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في شرم الشيخ أكتوبر الماضي تحديات جمة في الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق. فبينما حققت المرحلة الأولى تقدماً إيجابياً، تتسم المرحلة القادمة بتعقيدات سياسية وأمنية أكبر، ترتبط بشكل مباشر بالتزامات إسرائيلية لم تتحقق بعد. هذا التحول يجعل مستقبل غزة معلقاً بين الأمل في الاستقرار ومخاطر العودة إلى دائرة الصراع.
اجتماع ميامي: محطة تنسيق في ظل تعقيدات متزايدة
عقد اجتماع ميامي (19 ديسمبر) بمشاركة ممثلين عن قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة، لتقييم تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، ووضع الترتيبات اللازمة للانتقال إلى المرحلة الثانية. وأكد المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أن المرحلة الأولى شهدت “تقدماً ملموساً” من خلال توسيع المساعدات الإنسانية، واستعادة جثث الرهائن، وانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية.
لكن ويتكوف شدد على أن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق يتطلب أكثر من مجرد تثبيت الهدنة، بل يتضمن حزمة من الشروط السياسية والأمنية، أهمها تمكين هيئة حاكمة في غزة تعمل ضمن سلطة موحدة، قادرة على حماية المدنيين وضبط النظام العام. هذا الطرح يعكس توجهاً أمريكياً نحو ربط أي مرحلة لاحقة بإدارة انتقالية واضحة المعالم، وتفعيل ما يُعرف بـ “مجلس السلام” لإدارة الملفات المدنية والأمنية وإعادة الإعمار.
التكامل الإقليمي وإعادة الإعمار: ركائز أساسية للمرحلة القادمة
بالإضافة إلى ذلك، أشار ويتكوف إلى أهمية التكامل الإقليمي كركيزة أساسية للمرحلة الثانية، من خلال تيسير حركة التجارة، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والمياه. هذه الخطوات تعتبر ضرورية لتعافي غزة وترسيخ استقرارها على المدى المتوسط. ومع ذلك، يظل بطء التنفيذ أحد أبرز التحديات التي تواجه الاتفاق، حيث تشير تقارير أمريكية إلى قلق متزايد في واشنطن من ميل بعض الأطراف إلى الإبقاء على الوضع القائم.
الموقف التركي: تحذير من الانتهاكات الإسرائيلية
في المقابل، اتسم الموقف التركي بقدر أكبر من الحذر، حيث حذر وزير الخارجية هاكان فيدان صراحة من أن الانتهاكات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار تمثل خطراً مباشراً على مجمل خطة السلام. وأوضح فيدان أن هذه الخروقات لا تقوض الثقة فحسب، بل تجعل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق “أكثر صعوبة بشكل لا يصدق”، محذراً من أن استمرارها قد يفرغ الاتفاق من مضمونه العملي.
الخطوط الحمراء التركية لإدارة غزة
ووضعت تركيا ثلاثة خطوط حمراء واضحة: أن يحكم غزة أهلها، وألا تقسم أراضيها، وأن تصب أي ترتيبات أو استثمارات في مصلحة سكانها حصراً. هذه المحددات تعكس مخاوف إقليمية أوسع من إعادة إنتاج نماذج إدارة مفروضة من الخارج، بما قد يهدد الاستقرار على المدى الطويل. ويرتبط هذا الملف ارتباطاً مباشراً بملف إعادة الإعمار، حيث يُتوقع ضخ استثمارات كبيرة في المرحلة المقبلة، لكن ربطها بالمسار السياسي والأمني يجعلها رهينة نجاح المرحلة الثانية.
سيناريوهات محتملة لمستقبل غزة
في ضوء المعطيات الحالية، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل غزة خلال الأسابيع المقبلة:
- نجاح الوسطاء في ضبط الخروقات وتثبيت ترتيبات انتقالية تمهّد للمرحلة الثانية.
- استمرار الهدنة دون تقدم فعلي، بما يحول الاتفاق إلى إطار هش قابل للانفجار في أي لحظة.
- تصاعد الانتهاكات وانهيار الثقة، ما قد يؤدي إلى تعثر المسار بالكامل.
وبين هذه السيناريوهات، تبقى غزة معلقة بين أمل التقدم ومخاطر التراجع، في انتظار ما إذا كانت الهدنة ستتحول إلى سلام مرحلي، أم مجرد استراحة قصيرة في صراع طويل.
تحديات المرحلة الثانية: توافق فلسطيني وتحديات إقليمية
يرى الباحث والكاتب السياسي ياسر عبد العزيز، أن اجتماعات ميامي كانت “صعبة” بسبب الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة. وأشار إلى أن الوضع الميداني وحجم الدمار الكبير الذي تعرضت له غزة، قد عرقل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق. كما أضاف أن نتنياهو كان يحاول تعطيل المرحلة الأولى وعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية، بهدف إفشال المفاوضات برمتها.
وتتمثل تعقيدات المرحلة المقبلة في تحديين رئيسيين: التوافق الفلسطيني الداخلي، والحصول على قبول دولي للترتيبات المقترحة داخل غزة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة صعوبات، حيث لم يدخل سوى أقل من 30% من المساعدات المتفق عليها، ما يعكس استخدام الملف الإنساني كأداة ضغط.
في ظل هذه المعطيات، تبدو المرحلة الثانية من الاتفاق شديدة الصعوبة ومفتوحة على سيناريوهات معقدة، تتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة وضغوطاً دولية لضمان الالتزام ببنود الاتفاق، وتحقيق الاستقرار المنشود لغزة. اتفاق غزة يحتاج إلى دعم إقليمي ودولي لضمان نجاحه.

