ما ينتظر الفلسطينيون؟ |

غداً (الثلاثاء)، الرابع من رمضان، تنعقد قمة عربية جديدة، ليس مهماً أن نعطيها رقماً، فلطالما كانت القمم العربية مجرّد أرقام، لا قيمة لها في سياق الصراعات الدامية التي تستنزف العمل العربي المشترك، ولا تحمي حقوقاً قومية أو قُطرية.
القضية الفلسطينية هي موضوع القمة، بعد حرب طاحنة استهدفت دون أن تنجح في إقصائها، والقضاء عليها من جذورها.
القضية الفلسطينية تفرض نفسها على العرب، وغير العرب، انطلاقاً من الكفاح العظيم، والتضحيات الهائلة التي دفعها الشعب الفلسطيني على طريق استرجاع حقوقه الوطنية.
لو كان الأمر بيد النظام العربي الرسمي السائد، لكان تجاهلَ وهمّش القضية الفلسطينية كما كان عليه الحال قبل الحرب الإبادية الأخيرة.
قد أثبتت تجربة القمم العربية أنّ الإجماع العربي لا يحمل الخير للشعب الفلسطيني وقضيته، ولا حتى لشعوب الأمة العربية، فالإجماع ينعقد على الحدّ الأدنى من مواقف الدول المختلفة، والحد الأدنى مرهون لسياسات تقوم على الأنانية القُطرية، وممالأة واشنطن وحليفتها الدولة العبرية.
بعض الأنظمة العربية تتبنّى علناً، وبأشكال مختلفة غير علنية، التصنيف الذي فرضته أميركا وحلفاؤها الغربيين، لفصائل المقاومة الفلسطينية.
فصائل المقاومة إما هي إرهابية، أو إرهابية، و»إخوانية» بالنسبة لواشنطن، ومن تبنّى رؤيتها من الأنظمة العربية.
الذرائع كانت موجودة للتغطية على سياسات التخاذل لبعض الأنظمة حتى تتنصّل من مسؤولياتها تجاه دعم نضال الشعب الفلسطيني لانتزاع حقوقه الوطنية بحدّها الأدنى، واستناداً إلى قرارات الأمم المتحدة.
مرّة يكون الانقسام الفلسطيني، ومرة أخرى فساد السلطة الوطنية الفلسطينية، ومرّات الإرهاب الفصائلي، وكل ذلك مجرّد ذرائع للتغطية على سياسات لا تراعي الحدّ الأدنى من مصالح العرب وحقوقهم.
ما تسرّب عن الاجتماع السداسي الأخوي في السعودية قبل نحو أسبوع أنّ بعض الزعماء العرب يصر على الربط بين مساهمتهم في إعادة إعمار قطاع غزّة باختفاء حركة « حماس » عن المشهد السياسي وسحب سلاح المقاومة، وإلّا فإنهم لن يدفعوا قرشاً واحداً.
الذريعة موجودة، فهؤلاء يعتبرون أنّ المقاومة هي السبب المتكرّر لما تعرّض ويتعرّض له القطاع من تدمير، ولذلك فإن استمرار وجودها سيظلّ السبب في تدمير ما ستتمّ إعادة بنائه.
في الحقيقة، إن هذه الذريعة مكشوفة ولا تخدع أحداً، إذ هي في جوهرها ومظهرها إعادة صياغة للأهداف التي يصرّ بنيامين نتنياهو على تحقيقها وفشل بالطرق العسكرية.
لو أن الأمر يتعلّق بالمقاومة المسلّحة، فما الذي يجعل الدول العربية الغنيّة تمتنع عن تقديم الدعم للسلطة الوطنية، والتي تواجه ضغوطاً هائلة، وعملية ابتزاز رخيصة من قبل دولة الاحتلال، وتعاني من أزمات مالية تتعمّق يوماً بعد آخر.
السلطة الوطنية، و»فتح»، والمنظمة، لا تتبنّى شكل وأسلوب المقاومة المسلّحة في مواجهة الاحتلال، بل إنّ الرئيس محمود عبّاس أكد غير مرّة أنه يرفض استخدام هذا الأسلوب الكفاحي على الرغم ممّا تتعرّض له الضفة الغربية من تصعيد متزايد للعنف الرسمي والاستيطاني.
بعض الأنظمة مستعد لإنفاق المليارات لتدمير السودان وتقسيمه سعياً وراء النفوذ والذهب.
وتلك الأنظمة مستعدة لإنفاق المليارات، من أجل الاستحواذ على نفوذ وموطئ قدم في ليبيا الغنيّة بالنفط، حتى لو أدّى ذلك إلى تدمير البلاد ومنعها من استعادة عافيتها.
«حزب الله» اللبناني هو الآخر، مشمول بسياسات بعض الأنظمة العربية التي تعتبره امتداداً لإيران، ومنظمة إرهابية ينبغي أن يتمّ سحب سلاحه، وتحجيم نفوذه، حتى لو أدّى ذلك إلى إنعاش عوامل الفتنة الداخلية في لبنان.
تلك الأنظمة وقفت بالباع والذرائع، وقدمت المليارات لدعم «المعارضة» السورية منذ 13 عاماً، وأكثر، ما أثمر دماراً واسعاً، وسقوط نظام بشار الأسد، وتعريض الوحدة الجيوسياسية للبلاد للخطر.
واليوم وبعد أن استولت «هيئة تحرير الشام» على كرسي الرئاسة بدعم ونفوذ كبير من قبل تركيا، لا تبدي تلك الأنظمة ارتياحاً للنظام الجديد، رغم المجاملات التي تظهر على السطح، وتستهدف احتواء الوضع الجديد.
عشيّة انعقاد القمة العربية، تصعّد دولة الاحتلال عدوانها وتهديداتها، بمبادرة شنّ الحرب على القطاع، ونسف الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في 19 كانون الثاني الماضي.
وبينما تصعّد دولة الاحتلال من حربها العدوانية على الضفة الغربية، وفي جنوب سورية، وتستمر في احتلالها 5 مواقع في جنوب لبنان، تقوم بإغلاق كافة المعابر مع قطاع غزّة، وتمنع دخول أيّ مساعدات.
كل الوقت ومنذ البداية، لم تتوقّف دولة الاحتلال عن خرق الاتفاق وها هي تعرّض المنطقة لاستئناف وتوسيع الحرب العدوانية، فما الذي ننتظره من المجتمعين في السعودية.
هل يمكن أن يرفع العرب سيف التهديد وممارسة الضغط على دولة الاحتلال لوقف افتراءاتها، أم أن الأمر لا يستحق سوى إصدار بيانات التنديد، والاستنكار والتحذير؟
يبدو أن العرب لن يتحرّكوا لحماية أمنهم القومي الجماعي والقُطري إلّا حين تصل النيران إلى أطرافهم، فهم بخير طالما أنّ تلك النيران بعيدة عن حدودهم. حين يتعلّق الأمر بدولة الاحتلال المدعومة أميركياً، فإن سعي تلك الأنظمة لاستثمار أموالها، وتوسيع نفوذها، يتوقّف تماماً.
لماذا لا يسعى أولئك للاستثمار وتعزيز النفوذ في فلسطين ولبنان، حيث تحظى شواطئ البلدين بثروات غازيّة ونفطيّة واعدة هي جزء من أطماع التحالف الأميركي الإسرائيلي.
بصراحة الأفضل أن يكفّ العرب أياديهم عن القضية الفلسطينية، وأن يتركوا الشعب الفلسطيني يخوض معاركه الوطنية بنفسه، فإن فاز بإمكان العرب أن يدّعوا أنهم شركاء أساسيون، وإن لم يفز فبإمكانهم أن يُلقوا باللائمة كما دائماً على أصحاب القضية.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر