مدينة غزة: الجيش بدون خطة انسحاب والتقديرات حول الرهائن انتهت صلاحيتها

يعتبر الجيش الإسرائيلي أن المهمة الأولى التي يتعين عليه تنفيذها قبل احتلال مدينة غزة هي تهجير سكانها إلى جنوب قطاع غزة، لكن محللين إسرائيليين أشاروا اليوم، الجمعة، إلى أن تهجيرهم بطيء وأن الجيش بدأ يتوغل في مدينة غزة بدون خطة للانسحاب منها، خاصة وأن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو ، يطالب الجيش بإنهاء احتلال مدينة غزة بشكل سريع جدا.
ووفقا للمحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، فإنه “خلال سنتي الحرب كان الجيش الإسرائيلي في كل واحد من أحياء مدينة غزة، وفي وسطها أيضا. الجيش احتل واشتبك وقتل، وخرج. ويكذبون عليكم عندما يتحدثون عن احتلال غزة على أنه حدث عسكري مؤسس. والفرق هو أن الجيش الإسرائيلي هذه المرة بدون خطة انسحاب، وهذا فرق دراماتيكي”.
إقرأ أيضاً: بالصور: الاحتلال يزعم تفكيك خلية أنتجت قذائف صاروخية قرب رام الله
وأضاف أن “الفرق الثاني ليس أقل دراماتيكيا، وهو أن توغل الجيش الآن يجري من خلال تشكيل خطر واضح وإدراكي تجاه حياة المخطوفين، وفيما مقترح صفقة موجود على الطاولة. وعشية العملية العسكرية كانت هناك تقديرات مفصلة في إسرائيل حول المخطوفين المحتجزين في مدينة غزة. ومنذ بدء ما يسمى ’مركبات جدعون 2’، انتهت صلاحية هذه التقديرات”.
وأشار برنياع إلى أن إفادات الرهائن الذين تم الإفراج عنهم “أوضحت لمسؤولين في الاستخبارات أن حماس تنقل مخطوفين في فترات متقاربة أكثر مما اعتقدوا في إسرائيل. وحماس كانت تنقلهم فوق الأرض وتحت الأرض. لذلك لا توجد طريقة لضمان حياة المخطوفين. وهم قد يصابون جراء قصف الجيش الإسرائيلي أو بخطوة تقدم عليها حماس أو كلاهما معا. فالحرب مقرونة بمخاطر على الحياة، وبضمنها حياة رهائن أيضا، لكن نتنياهو يمارس هنا رهانا غير معقول، وغير مسؤول، ويفعل ذلك بالرغم من معارضة جهاز الأمن، من رئيس أركان الجيش (إيال زامير) وحتى الضباط الأدنى رتبة”.
إقرأ أيضاً: نتنياهو يعلن عن إجراءات جديدة لعبور شاحنات المساعدات من الأردن
وأضاف أن “الاحتلال هو مثل الحمْل، وبعده الولادة ويخرج المولود إلى الحياة – اسمه حكم عسكري. هكذا هي الطبيعة. ومثلما ينبغي تجهيز غرفة الطفل قبل الولادة، ينبغي الإعداد لحكم عسكري قبل الاحتلال. بل أنه ينبغي أخذه بالحسبان خلال القتال نفسه، في مراحله، والاعتناء بالسكان تحت الاحتلال، وإعداد القوات المقاتلة لإدارة حكم عسكري”.
وأردف برنياع أن “لا شيء من هذا تم تنفيذه. ثلاث فرق عسكرية تدخل إلى غزة فيما عيونهم مغطاة بقماشة كأنهم سجناء. وفي خطابه الأخير، عندما حاول محو مقولته البائسة حول سوبر إسبرطة، تباهى نتنياهو بحكمته الإستراتيجية. لكن خلال سنتي الحرب كانت حكمته الإستراتيجية كلها إستراتيجيا بأثر رجعي. وهكذا أيضا الاحتلال المتجدد لمدينة غزة. وإذا انتهى الاحتلال بسلام، سينسب النجاح لنفسه وسيتهم الآخرين جميعهم، وفي مقدمتهم رئيس أركان الجيش، بأنهم جبناء وانهزاميون ومترددون؛ وإذا تعقد الاحتلال، سيتهم قيادة الجيش بفشل متسلسل، وتقاعس، وخيانة. هكذا تصرف منذ بداية الحرب”.
إقرأ أيضاً: يديعوت تتحدث عن العملية في مدينة غزة
وتابع أن “الفرق الثالث بين احتلالات غزة السابقة والاحتلال الحالي هو وضع إسرائيل في العالم. والثمن السياسي والاقتصادي كان محدودا في الأشهر الأولى بعد 7 أكتوبر، وأصبح باهظا الآن، عندما أصبحت إسرائيل تعتبر دولة مجرمة. والأضرار تتراكم. وكل ما وضعه نتنياهو أمام نفسه هو ثلاث كلمات: معاداة السامية وترامب. فتهمة معاداة السامية ستردع جميع الذين ينتقدوننا، وإذا معاداة السامية لم تنقذنا، سينقذنا ترامب. ومثلما يدرك أي أحد يعيش هنا، كلا هذين الدرعين يخضعان لعملية تآكل. ولأسفه، نتنياهو يتمسك بإسبرطة”.
وأفاد برنياع بأنه “خلال الحرب، أثناء ولاية (رئيس أركان الجيش السابق) هيرتسي هليفي ولاحقا خلال ولاية زامير، تشوش الحوار بين المستوى السياسي، أي نتنياهو، والمستوى العسكري بالكامل. لا توجد حميمية ولا سرية ولا إنصات للنقد. والضباط يدركون أنهم إذا فتحوا فمهم، سيتعرضون لانتقادا، في الشبكات الاجتماعية أولا، ثم ستتوقف ترقيتهم. وهذا خطر على أمن إسرائيل”.
إقرأ ايضاً: سيتم تسوية آلاف المباني بالأرض – يديعوت تتحدث عن العملية في مدينة غزة
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، إلى أن “المرحلة الحالية للحرب في غزة لا تدور في هذه الأثناء مثلما تخيل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. فقد أقنعه نتنياهو بدعم تعميق القتال في مدينة غزة بواسطة اجتياح عسكري واسع، بعد أن تعهد له بنتائج سريعة. لكن عمليا، يُملي زامير، الذي يعارض العملية العسكرية الحالية، على القوات وتيرة تقدم بطيء وحذر، في محاولة لتقليص الخسائر والمخاطر على حياة جنود ومخطوفين”.
وشدد هرئيل على أن “مخطوفين أحياء عادوا إلى الديار بواسطة صفقات فقط. وخلافا للانطباع الذي يسعى نتنياهو وأبواقه إلى إثارته، فإن احتمالات الإنقاذ (لرهائن) أو الهزيمة (لحماس) لم تتحسن”.
وبحسبه، فإن “نتنياهو كان يريد إنجازا سريعا يسمح بتقديمه إلى مؤيديه، بين رأس السنة العبرية في الأسبوع المقبل وبين الذكرى السنوية الثانية للسابع من أكتوبر. وفي هيئة الأركان العامة يقولون إنه لا توجد مشكلة في إرسال لواء سيصل بسرعة إلى قلب مدينة غزة. والسؤال هو ماذا سيحدث بعد وصول قوة كهذه إلى قلب المدينة ويبدأ بالتعرض لمحاولات هجومية من جانب قوات أنصار” أي فصائل المقاومة الفلسطينية.
وأضاف هرئيل أن “مورد نتنياهو الأكبر هو دعم ترامب، الذي مكّنه من العودة إلى الحرب، في آذار/مارس، والتنازل عن صفقة مخطوفين، في آب/أغسطس، وأن يحاول اغتيال قادة حماس في قطر، في أيلول/سبتمبر، واحتلال غزة الآن، وهذا كله بالرغم من معارضة المستوى المهني (الأمني)”.
وتابع أن “الانطباع في الجيش هو أنه لا يوجد أحد بالإمكان التحدث معه. رئيس الحكومة متعجرف ومنغلق، ويتجاهل كافة التحذيرات والتحفظات وهو مقتنع بأنه يعرف كيف يدير الحرب، وأنه الوحيد الذي بإمكانه الآن ضمان القضاء على حماس. لكن نتنياهو لا يمكنه تفسير كيف سينفذ ذلك والحفاظ على حياة المخطوفين، لأنه بكل بساطة ليس لديه خطة كهذه”.

