مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

سجّلت تحويلات المصريين في الخارج مستويات غير مسبوقة خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي، حيث اقتربت من 34 مليار دولار أمريكي. يمثل هذا الرقم زيادة ملحوظة مقارنة بالفترات السابقة، ويعكس أداءً قوياً للعمالة المصرية في دول المهجر. ويعتبر هذا التدفق النقدي مهماً للاقتصاد المصري الذي يواجه تحديات في توفير العملة الأجنبية.
وتأتي هذه الأرقام في ظل جهود حكومية لتعزيز قنوات إرسال التحويلات من الخارج، وتقديم حوافز للمصريين للتحويل عبر هذه القنوات الرسمية. ووفقًا لمصادر رسمية، يشمل هذا المبلغ التحويلات الرسمية وغير الرسمية، على الرغم من صعوبة تحديد حجم الجزء غير الرسمي بدقة. يُذكر أن سعر الدولار حاليًا يتراوح حول 48 جنيهًا مصريًا.
أهمية تحويلات المصريين في الخارج للاقتصاد المصري
تعتبر تحويلات المصريين في الخارج أحد أهم مصادر الدخل القومي من العملة الأجنبية. تساهم هذه التحويلات بشكل كبير في دعم ميزان المدفوعات، وتمويل الاستيراد، وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي. كما أنها تخفف الضغط على الجنيه المصري في مواجهة ارتفاع الطلب على الدولار.
العوامل المؤثرة في زيادة التحويلات
عدة عوامل ساهمت في الزيادة الأخيرة في حجم التحويلات من الخارج. من بين هذه العوامل زيادة أعداد العمالة المصرية في دول الخليج وأوروبا وأمريكا الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، تشجيع الحكومة لتحويل الأموال عبر القنوات الرسمية من خلال تقديم مبادرات مختلفة.
على سبيل المثال، أطلقت الحكومة المصرية مبادرات لحسابات خاصة للمصريين بالعملة الأجنبية، مما يتيح لهم إيداع أموالهم والاستفادة من عائدات استثمارية، وفي الوقت نفسه يساهم في زيادة المعروض من العملة الأجنبية في البنوك. هذه المبادرات ساهمت في جذب جزء من التحويلات التي كانت تتم بشكل غير رسمي.
بالإضافة إلى ذلك، أدت التقلبات في أسعار الصرف إلى اتجاه بعض المغتربين لإرسال المزيد من الأموال للاستفادة من سعر الصرف المرتفع، خاصة مع توقعات باستمرار الضغوط على الجنيه المصري. وتعتبر المخاوف بشأن التضخم وارتفاع الأسعار داخل مصر أيضاً دافعاً للمغتربين لزيادة الدعم المالي لأسرهم.
تأثير التحويلات على القطاعات الاقتصادية المختلفة
لا تقتصر فوائد التحويلات من الخارج على دعم الاحتياطي النقدي، بل تمتد لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية. فالزيادة في التدفقات النقدية تساهم في تعزيز الاستهلاك المحلي، وبالتالي دعم قطاعات التجارة والخدمات.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن جزءًا كبيرًا من هذه التحويلات يوجه نحو تلبية الاحتياجات الأساسية والاستيراد، بدلاً من الاستثمار في القطاعات الإنتاجية. ويرون أن هناك حاجة إلى سياسات تشجع المغتربين على توجيه أموالهم نحو المشاريع الاستثمارية التي تساهم في خلق فرص عمل وزيادة الإنتاج.
جهود الحكومة لتعظيم الاستفادة من التحويلات
تسعى الحكومة المصرية باستمرار إلى تعظيم الاستفادة من التحويلات من الخارج. وتشمل هذه الجهود تحسين مناخ الاستثمار، وتبسيط الإجراءات، وتقديم حوافز للمستثمرين المصريين العاملين في الخارج.
كما تعمل الحكومة على توعية المغتربين بأهمية التحويل عبر القنوات الرسمية، وتقديم تسهيلات لهم في هذا الصدد. بالإضافة إلى ذلك، يتم تطوير البنية التحتية لقطاع التحويلات المالية لتسهيل وتسريع عمليات الإرسال والاستقبال.
وقد أعلنت وزارة المالية عن دراسة إمكانية إصدار أدوات مالية بالعملة الأجنبية تستهدف المصريين في الخارج، بهدف جذب المزيد من الأموال واستثمارها في الاقتصاد المصري. ويتضمن ذلك طرح سندات وصكوك بالدولار الأمريكي واليورو.
التحديات المحتملة والمستقبل
تواجه مصر بعض التحديات المتعلقة بتحويلات المصريين في الخارج. من بين هذه التحديات ارتفاع تكاليف التحويل، وتعقيد الإجراءات في بعض الأحيان، وتفشي ظاهرة التحويلات غير الرسمية.
وفيما يتعلق بالمستقبل، تشير التوقعات إلى استمرار تدفق التحويلات من الخارج بوتيرة جيدة، خاصة مع استقرار الأوضاع الاقتصادية في دول الخليج وزيادة الطلب على العمالة المصرية.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض المخاطر التي قد تؤثر على هذا التدفق، مثل التغيرات في أسعار النفط، والتحولات السياسية في المنطقة، والركود الاقتصادي العالمي. من المنتظر أن يعلن البنك المركزي المصري عن بيانات رسمية ومفصلة حول حجم التحويلات من الخارج خلال الربع الأول من العام القادم في موعد أقصاه نهاية شهر مارس.

