مصطفى: الإصلاح أولوية ملحة وواجب وطني يتطلب تكاتف الجميع
أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى أن مواجهة الفساد أو العمل على الوقاية منه ليس مجرد هدف مستقل بذاته، بل هو جزء لا يتجزأ من مسيرتنا الوطنية لبناء الدولة، ولا يعني الاستقلال إنهاء الاحتلال فقط، بل يتطلب بناء دولة فلسطينية قويّة تستند إلى قيم العدالة، والنزاهة، والشفافية، وتعتمد على سيادة القانون، وتكفل حقوق مواطنيها، وتؤمّن لهم الخدمات الأساسية بمستوى يليق بتضحياتهم.
وشدد على أن الإصلاح ليس مجرد خيار؛ بل هو أولوية ملحة وواجب وطني، يتطلب تكاتف جهود الجميع، فدولتنا التي نناضل من أجل إنهاء احتلالها تحتاج إلى مؤسسات قوية وشفافة، تعمل بكفاءة وتتحلى بالمساءلة.
جاء ذلك خلال كلمته نيابة عن الرئيس محمود عباس ، في مؤتمر “تكاملية الأدوار في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته”، الذي عُقد اليوم الاثنين في قاعة أحمد الشقيري بمقر الرئاسة ب رام الله ، بحضور رئيس هيئة مكافحة الفساد رائد رضوان، ورئيسة ديوان الرقابة الإدارية والمالية أمل فرج وطاقم الديوان، وعدد من الوزراء والمسؤولين والشخصيات الاعتبارية.
ونقل مصطفى تحيات الرئيس محمود عباس واهتمامه الفائق ومتابعته الحثيثة لأعمال هذا المؤتمر الهام.
وقال رئيس الوزراء: “نلتقي اليوم في ظل ظروف استثنائية تواجه قضيتنا الوطنية وشعبنا الصامد في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس ، حيث نجابه عدوان الاحتلال بأشكاله كافة، من حرب الإبادة في قطاع غزة، إلى العدوان والقتل والتدمير، واستهداف الأرض وأصحاب الأرض في الضفة بما فيها القدس. هذا الاحتلال الذي لا يستهدف أرضنا وشعبنا فقط، بل يسعى أيضًا إلى تقويض مؤسساتنا وتدمير أحلامنا في بناء دولتنا المستقلة. إلّا أننا، كما أثبتنا عبر تاريخنا، أننا شعب لا يلين، ولن تنكسر إرادته.”
وأضاف: “لا يمكن أن تكون هناك دولة قوية إذا كانت مؤسساتها ضعيفة، غير كفؤة، أو تفتقر إلى الشفافية أو المساءلة، وهذا هو التزام حكومتكم التاسعة عشرة، التي وضعت بناءً على كتاب تكليفها من سيادة الرئيس محمود عباس، الإصلاح وتعزيز الحوكمة، على رأس أولوياتنا الوطنية منذ اليوم الأول لتوليها مسؤولياتها. وتعمل وفق رؤية شاملة، تستند إلى خطة واضحة، لم تُبنَ من فراغ، بل بوعيٍ تام بحجم التحديات وتعقيدات الوضع السياسي والمالي والاقتصادي، وتشمل البناء على الإنجازات التي تحققت، ومعالجة الثغرات والأخطاء بحزم أينما وُجدت”.
وتابع رئيس الوزراء: “إن الإصلاح ليس شعارا نرفعه، بل هو نهج عملي نعمل به في كل يوم، على أسس ومتطلبات وطنية، يهدف إلى خلق مؤسسات تعمل بكفاءة ومصداقية، تخدم المواطن وتلبي احتياجاته، وتعزز ثقته بنظامه السياسي”.
وأردف: “قد قطعت الحكومة شوطا مهما في هذا المسار، فقد طورنا برنامجا شاملا للإصلاح يركز على تحسين الأداء المؤسسي، وترشيد النفقات، وضمان تقديم خدمات أكثر كفاءة للمواطنين. وقد بدأت هذه الإجراءات بالفعل تؤتي ثمارها، بدءاً من خفض النفقات، ودمج وإلغاء بعض المؤسسات لتحقيق الكفاءة، وتعزيز الحوكمة في عدد آخر منها، وتعزيز الشفافية والمهنية في التوظيف، خاصة في المناصب العليا”.
وأضاف رئيس الوزراء: “اتخذنا خطوات عملية لتفعيل وحدات الشكاوى والاقتراحات لتكون قنوات حقيقية للتواصل مع المواطنين، ووجهنا بدراسة التقارير الرقابية بعناية لتطوير خطط العمل بما يتلاءم مع هذه التقارير. كل هذه الجهود، وغيرها التي لا مجال لتعدادها في هذا المقام، تعكس التزامنا بالوصول إلى الحكم الرشيد”.
وقال: “طورنا مؤخراً البرنامج الوطني للتنمية والتطوير، الذي يشمل بالإضافة إلى إطلاق مجموعة من المبادرات التنموية، على مصفوفة متكاملة شاملة للإصلاح التشريعي والتنظيمي والمؤسسي من أجل تمكين وضمان نجاح مبادراتنا التنموية”.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة حددت في هذه المصفوفة أربع ركائز أساسية لتطوير الأداء المؤسسي وتحسين كفاءة تقديم الخدمات بما تشمل السياسات المالية وإدارة المالية العامة، الحوكمة وسيادة القانون، وبيئة الاستثمار والأعمال، وتقديم الخدمات الأساسية، ضمن قطاعات حيوية تشمل الأمن الغذائي، والطاقة، وتوطين الخدمات الصحية، والتحول الرقمي، والتعليم من أجل التنمية، وتوسيع وتنويع الحماية الاجتماعية.
وأضاف: “نؤمن في الحكومة بأن مكافحة الفساد والوقاية منه لا تقتصر على كشفه ومعاقبته، بل تشمل أيضا إنهاء كل أشكال سوء الإدارة التي تُضعف الأداء وتقلص ثقة المواطن بمؤسساته”.
وشدد مصطفى على أن هذا المجهود لا يقع على عاتق طرف واحد، إذ إن الإصلاح هو مهمة وطنية مشتركة، تتطلب تكامل أدوار الجميع: الحكومة، والهيئات الرقابية، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، والمواطنين أنفسهم.
وقال: “مسؤوليتنا جميعا أن نقدم نموذجًا لدولة فلسطينية قوية تعكس تطلعاتنا إلى الحرية والاستقلال. لكل طرف دور أساسي في إنجاح هذه المهمة الوطنية. وندعو الجميع، كلٌ في موقعه، إلى تبني ثقافة المساءلة والمشاركة الفاعلة في تحقيق هذا الهدف السامي”.
وأضاف مصطفى: “وحدتنا هي مصدر قوتنا، فإن تكامل الأدوار بين جميع المؤسسات، هو السبيل لتحقيق أهدافنا. إن مواجهة التحديات تتطلب شراكة حقيقية تشمل قطاعات المجتمع كافة، وندعو الجميع إلى تعزيز الجهود المشتركة في مسيرة البناء والإصلاح، متسلحين بإرادة شعبنا وصموده الذي لطالما كان ولا يزال مصدر الإلهام في سعينا نحو الحرية والاستقلال”.
وتابع: “دعونا نعمل معا من أجل مستقبل أفضل لأبناء شعبنا، ومن أجل بناء دولة فلسطين الحرة المستقلة، التي تكون مؤسساتها نموذجا للنزاهة والشفافية والعدالة”.
وفي هذا الإطار، أشاد مصطفى بالدور المحوري “لهيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة الإدارية والمالية، إذ يشكلان معا بالتعاون مع المؤسسات الأخرى حجر الزاوية في حماية مجتمعنا ومالنا العام”، مؤكدا أنه “لطالما رفع الرئيس من شأنكم، والحكومة ملتزمة بدعمكم وتمكينكم، وستبذل كل جهد لضمان تطبيق القوانين بحق كل من تسوّل له نفسه استغلال منصبه أو المال العام”.
وقال: “نحن لا نبدأ من الصفر، بل نبني على أساس صلب وضعه من سبقنا، ونعمل على تصحيح المسار حيث يلزم. خطتنا ليست فقط لتحسين الأداء الحكومي، بل لجعل وجود الدولة الفلسطينية حقيقة لا جدال فيها، وركيزة أساسية في مسيرة التحرر الوطني، أمام الاحتلال الذي يشكل بطبيعته نقيضا للحرية، ونقيضا للشفافية، ونقيضا للمساءلة”.
وأضاف مصطفى: “إن مساعينا لبناء مؤسسات قوية وشفافة هي في جوهرها كذلك معركة ضد الاحتلال ونحو الاستقلال. نحن نقاوم ليس فقط بالعمل السياسي والدبلوماسي، بل أيضا ببناء حقائق على الأرض تعكس رؤيتنا لدولة فلسطين المستقلة بجهود الجميع”.
وشكر رئيس الوزراء هيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة الإدارية والمالية على تنظيم هذا المؤتمر، وعلى جهودهم الكبيرة التي تهدف إلى تعزيز النزاهة والمساءلة، والتي تعد ركائز أساسية للتطوير والإصلاح، وتعكس أهمية هذا الموضوع ودوره المحوري في بناء مستقبل دولتنا الفلسطينية المستقلة.
واختتم مصطفى كلمته: “رسالتنا واضحة هي دولة فلسطين المستقلة التي نعمل من أجل تجسيدها، والقادمة لا محالة، لن تُبنى إلا بسواعد أبنائها، بإرادتكم وعزيمتكم، وبمؤسساتنا القوية نستطيع معا تقديم الأفضل للمواطن”.