Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الاخبار

ملاحظات حول “مطوّلة” الجولاني! |

دعوني أوّلاً أن أُلخّص من نقاط ومفاصل أتى عليها أحمد الشرع، أو “الجولاني” كما فهمتها في مقابلته مع قناة العربية، وكما فهمها بصورة “متجرّدة” عن المواقف المسبقة، أو عن الاختلاف والخلاف الفكري والسياسي على حدّ سواء كل من شاهدها وسمعها.

وكغيري، لم أفهم، ولم نفهم لماذا غابت فلسطين بالكامل، حتى ولو بحرف واحد عن هذا “الحوار”، ولماذا غُيّبت على الأصحّ بالكامل، أيضاً، من قبل قناة العربية.

هنا نحن نتحدّث عن مفارقة لا يمكن أن تكون مصادفة من أيّ نوع، ويحتار المشاهد والمستمع في أمر هذا الغياب، وهذا التغييب.

وحتى لو التمسنا للشرع عذراً عن هذا الغياب والتغييب فيما يتعلّق بفلسطين، فكيف يمكننا أن نلتمس مثل هذا العذر للقائد الجديد فيما يتعلّق بالجولان السوري المحتلّ، قبل “الثورة”، وخصوصاً الجولان الذي تمّ إعادة “التأكيد” الصهيوني على “إسرائيليته” القديمة، والتأكيد على ضمّ أجزاء جديدة بعد هذه “الثورة” تحديداً، لكي لا نتحدث عن تدمير كل مقوّمات الدولة والجيش، وعن الاستباحة التي لم يسبق لها أيّ مثل في تاريخ المنطقة والإقليم، وقد يصل الأمر في تاريخ العالم الحديث والمعاصر لكلّ شبر في طول البلاد وعرضها، مع أننا التمسنا عذراً كاملاً، منتفخاً ومتضخّماً لمطوّلة لافتة في المقابلة نفسها حول إيران!

استرسل الجولاني في شرح الأبعاد “الأعمق” لهذه “الثورة” التي أطاحت بنظام الأسد بعد أن وضّح وأوضح مظالم النظام، والتي لا يستطيع أن ينكرها أحد، ولا يجوز لأحد مهما كانت لديه من أسباب ورؤى أن يبرّرها، استرسل في شرحها، وكيف أنها ــ أي الثورة الجديدة ــ منعت من خلال قيامها أن يذهب الإقليم كلّه، وبالتالي العالم كلّه في أتون حرب عالمية كبرى، وذلك بالنظر إلى أهمية موقع سورية، ووجود عدة قوى دولية وإقليمية على أرضها، وصراع المصالح المحتدمة بين كلّ هذه القوى والمصالح في تداخلاته وتشابكات شديدة التعقيد.

لم يكن هذا الاسترسال عبثاً، ولم يكن يخالف الحقيقة أبداً. بل على العكس، فإنّ مثل هذا التضارب في المصالح، والتناقض في الأهواء والإستراتيجيات، ربّما يكون أحد الأسباب الجوهرية التي تبرّر الحديث الجدّي عن احتمالات اندلاع حرب كبيرة، إقليمية شاملة، بامتدادات دولية حتمية، وخصوصاً وأن دولاً عظمى بجيوشها، ومعدّاتها ومستشاريها ومعسكراتها وقواعدها وتدخّلات حاضرة بقوة في المشهد السوري من الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال، ومروراً بالتواجد الإيراني والتركي والروسي، وصولاً إلى امتدادات عربية مباشرة غالباً، وغير مباشرة أحياناً، لذلك كلّه، فإن الاعتراض على مطوّلة الجولاني لا تكمن هنا، وإنّما على تفسيره لأهمية “الثورة” في منع هذا الصدام الجبّار، فهل أدّت “الثورة” إلى نزع فتيل الحرب الكبرى فعلاً، وماذا كانت نتيجة تحقيق هذا الهدف الكبير إذا افترضنا أنّه “هو بالذات هدف “الثورة” وغايتها بعد هدف “الثورة” وغايتها بعد هدف إسقاط النظام؟ أقصد ما هو الفتيل الحقيقي الذي تمّ انتزاعه؟

إيران غادرت، و”حزب الله” اللبناني “غادر” قبل سقوط النظام، فلماذا تمّ استباحة الدولة والجيش السوري؟

وحتى لو “قبلنا” على مضضٍ كبير أنّ دولة الاحتلال أرادت أن تضمن لنفسها عدم وقوع أسلحة الجيش في أيدي جماعات إرهابية كما تدّعي ــ وهي جماعات تحالفت مع دولة الاحتلال علناً في سياق الحرب التي دارت في سورية، على مدار أكثر من 14 سنة ــ فكيف نفسّر أقوال معظم القادة السياسيين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين حول دورهم “الحاسم” في إسقاط النظام؟

هل يوجد أمامنا في الواقع غير نزع فتيل واحد فقط لا غير، وهو فتيل نزع سورية الوطن والدولة الجديدة والنظام الجديد عن أيّ علاقة بالجولان وفلسطين وبالصراع في المنطقة.

وبأيّ معنى تمّ نزع فتيل الحرب إذا كانت سورية الدولة سيعاد فكّها وإعادة تركيبها، وإذا كان الجيش نفسه سيتحول إلى ميليشيات عسكرية مصنّفة أنّها إرهابية ومذهبية موغلة في الرجعية والتخلّف في “هيئة جيش سورية الجديدة”، وإذا كان الوجود الإسرائيلي أصبح مسلّماً به، والوجود الأميركي وجود طبيعي “ومحمود”، والوجود التركي رسمي “وقانوني”، ولا يحتاج إلى أيّ تفسير أو تبرير؟

ألا يصبح والحالة هذه أنّ “الثورة الجديدة” قد أسقطت النظام، وهو نظام غير مأسوف على سقوطه في مطلق الأحوال.. إلّا لكي يصبح سقوط وإسقاط النظام ثمنه الوحيد والأوحد هو سقوط الدولة، وسقوط الوطن السوري؟

على من يرى عكس ذلك، أو من يرى أن هناك مبالغة سياسية في هذا الاستنتاج أن يشرح لنا، ويفكّ لنا لُغز هذه المعادلة إن استطاع.

وليس مقبولاً، ولا معقولاً أن يتمّ تفسير هذه المعادلة الجديدة، أو اللغز الجديد بادعاءات خصوصية الظرف الراهن، لأنّ هذه المسألة بالذات ربما تصلح في تفسير بعض التجاوزات والسلوكيات، أو الحجج والأعذار في مواجهة زلّات اللسان أو غيرها من ما نشهده من “ثأريّات” وانتقامات، ولكنها لا تصلح في الأعراف الوطنية لشعبٍ مثل الشعب السوري العريق والمميّز في كفاحه الوطني، وانتمائه القومي، ودوره كمركز متقدّم للمشرق كلّه على الأقل.

ألم يجرِ في العراق ما يتم اليوم في الوطن السوري؟

ألم يتمّ استباحة الدولة والجيش، ألم تكن الميليشيات هي عماد “الثورة” التي أطاحت بالنظام بمساعدة الأميركان والصهاينة والعرب التي كانت تسير في الفلك الأميركي بسرعة أكبر من سرعة الألكترون والنيترون؟

ألم تدعم إيران في حينه كدولة إقليمية هذا “الإسقاط” كما تفعل كل من دولة الاحتلال، وتركيا إلى جانب الأميركيين؟

ما الذي اختلف، وما الذي تغيّر غير حجم الأدوار ودرجة التدخّل؟ وأمّا حين تحدث الجولاني عن مستقبل طبيعة النظام فإنّ مطوّلته بالكامل المعسول واللبق أحياناً لم تمكّنه من إخفاء حقيقة ما ينتظر الوطن السوري من أخطار كبيرة مع كلّ أسف.

يرى الجولاني الذي أشار إلى أنّ مجرّد إعداد دستور جديد “سيحتاج” إلى 3 سنوات أو أكثر لمثل هذا الإعداد؟!

ومن سياق هذا التوجّه يُفهم أنّ الانتخابات ــ إن جرت ــ فهي “ستحتاج” إلى عدة سنوات أخرى بعد الدستور؟!

وعن المرحلة الانتقالية “أكّد” الجولاني أنها “ستحتاج” إلى اللون الواحد بالتحديد وذلك لضمان “التناغم والانسجام”، في تصريح لا يقبل الشكّ أنّ “الهيئة” باتت في حكم الحزب الواحد والأوحد، وأن لا نيّة لديه لما يسمّى بالتشاركية إلّا في إطار الفريق الواحد الموحّد من شاكلة النظام الجديد تحت إمرة “الهيئة”، أو ربما تحت إمرة قائدها.

كل ما قاله الجولاني في كل الاتجاهات والتوجّهات من خارج هذه المسائل التي تختطف الوطن السوري، وترهنه للعبة دولية وإقليمية جديدة لا يساوي شيئاً جوهرياً واحداً، وعمّا قريب سنكتشف أنّ الشعب السوري العريق أبعد ممّا يتصوّر الجولاني عن أن يرتضي لنفسه هذا المصير الأميركي المجهول.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *