نجاح زيارة بلينكن التاسعة |
على عكس ما يُقال عن زيارة بلينكن للمستعمرة وقطر ومصر، خلال شهر آب/ أغسطس 2024، أنها كانت فاشلة، فهي لم تكن كذلك، بل كانت ناجحة بالمعايير الأميركية الإسرائيلية، من حيث هدف الزيارة، التي حققت مرادها وفق التفاهم بين نتنياهو وإدارة الرئيس المهزوز بايدن.
زيارة وزير خارجية أميركا التاسعة للمنطقة العربية، مثل زياراته المتكررة السابقة، كانت تستهدف التفاهم أولاً مع رئيس حكومة المستعمرة نتنياهو، ولم يكن في أي من زياراته السابقة وقف الحرب على قطاع غزة ، أو التعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني، فالهدف المشترك دائماً بينهما هو كيفية التخلص من حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، ولكن بأقل الخسائر الممكنة، مع الحرص على عدم توسيع شبكة الصدامات، وأن لا تتحول إلى حرب إقليمية، يصعب ضبط إيقاعاتها، حتى لا تتحول إلى حرب تُسهم فيها روسیا عبر دعم إيران المباشر، في مواجهة المستعمرة والولايات المتحدة، لأنها ستضعف الدور والدعم الأميركي لأوكرانيا ضد روسيا.
فالعامل الأول بالنسبة للولايات المتحدة هو دعم المستعمرة، وتوفير كافة الاحتياجات التي تطلبها في معركتها ضد الشعب الفلسطيني، لأن نضال الشعب الفلسطيني هو العنوان لتغيير المعادلات المفروضة على المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الثانية، وولادة المستعمرة الإسرائيلية عام 1948، كأداة وقاعدة للمصالح الأميركية الأوروبية، في مواجهة تطلعات العرب نحو الحرية والاستقلال والديمقراطية والكرامة.
والعامل الثاني هو تحاشي تحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع إقليمي تُشارك فيه إيران وربما تركيا بسبب تعارض المصالح والأهداف الإسرائيلية مع التطلعات الإقليمية لكل من طهران وأنقرة.
اما العامل الثالث في اهتمامات زيارات بلينكن المتكررة، فهو إظهار الدور الأميركي لوقف الحرب على فلسطين، خدمة لغرضين أميركيين:
الأول، استجابة للوبي الفلسطيني العربي الإسلامي الأفريقي في الولايات المتحدة، لأسباب ودوافع انتخابية، سبق وأنهم أبلغوا إدارة حملة بايدن الانتخابية أنهم سيضعون ورقة بيضاء في صناديق الاقتراع، تعبيراً عن احتجاجهم ورفضهم وإدانتهم لسلوك إدارة بايدن الداعمة للمستعمرة، وتغطية جرائمها، بمنع أي إدانة تستهدفها دولیاً، في مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية، أو الجنايات الدولية، أو أي مظهر مماثل على الصعيد العالمي، وكذلك رفضهم الشديد للدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للمستعمرة عسكرياً وتسليحياً ومالياً كي تُواصل حربها العدوانية الهمجية الشرسة ضد المدنيين الفلسطينيين بقتل عشرات الآلاف، وتدمير البنى التحتية، وكافة مرافق الخدمات، وهدم البيوت على روؤس سكانها، تحت حجة مطاردة قيادات حركة حماس وتصفيتهم.
أما العامل الأميركي الثاني، فهو إظهار الاهتمام لدى بلينكن وإدارته في العمل على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من ذوي الجنسية المزودوجة الإسرائيلية الأميركية، كمواطنين أميركيين، تعمل إدارة بايدن على إطلاق سراحهم، في ظل أجواء انتخابية للرئاسة ومجلسي النواب والشيوخ.
أهداف زيارة بلينكن بالمعايير الأميركية الإسرائيلية، حققت ما تسعى له واشنطن: 1- دعم المستعمرة والتفاهم معها، 2- عدم توسيع الصراع وتحاشي تحوله إلى صراع إقليمي، والباقي تفاصيل تندرج في خدمة هذه الأهداف ونجاحها، وتوظيف كافة وسائل المرونة والتضليل لتحقيقها.
لندقق في ثلاثة مظاهر على المشهد السائد:
أولاً، دعم تسليحي أميركي لجيش المستعمرة، وانتقال الجيوش الأميركية الأوروبية إلى المنطقة سواء في البحر المتوسط، أو منطقة الخليج العربي وبحر العرب المحيطة لإيران، في رسالة واضحة إلى طهران والمستعمرة.
ثانياً، استمرار القصف والقتل والحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بلا تحفظ أو تردد أو قلق من أية إجراءات دولية رادعة.
ثالثاً، تحميل حركة حماس مسؤولية عدم الوصول إلى اتفاق، على غير ما هو حقيقي، وعلى عكس ما هو صحيح.
بلينكن نجح في زيارته لصالح المستعمرة الإسرائيلية، بينما الشعب الفلسطيني ما زال يواجه وحده ثمن البقاء والصمود والمقاومة، ولا خيار أمامه، سوى هذا الخيار: خيار المقاومة والكرامة، ومواصلة المسار على طريق الحرية والاستقلال والعودة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر