هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

يتزايد القلق بشأن مستقبل التعليم العالي في اليمن مع انتشار تقارير تفيد بأن طلاب الدراسات العليا في الجامعات اليمنية يواجهون ابتزازًا من قادة حوثيين من أجل المساعدة في إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه. وتتضمن هذه الممارسات طلب مساعدة غير مبررة في البحث وكتابة الرسائل، مما يهدد نزاهة العملية الأكاديمية وجودة البحث العلمي. وتأتي هذه التطورات في ظل حالة من الاضطراب السياسي والأمني تعاني منها البلاد منذ سنوات.
وتتركز أغلب هذه الحالات، وفقًا لمصادر متعددة، في الجامعات الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بما في ذلك صنعاء وإب وذمار. ويشير تقرير صادر عن مجموعة من الأكاديميين اليمنيين إلى أن هذه الممارسات بدأت في التوسع بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين. وقد أثارت هذه القضية جدلاً واسعًا بين الأوساط الأكاديمية والطلابية اليمنية، مما يضع مستقبل البحث العلمي والتعليم العالي في البلاد على المحك.
تزايد عمليات الابتزاز في التعليم العالي في اليمن
تتنوع أساليب الابتزاز التي يتعرض لها طلاب الدراسات العليا. تتضمن بعض التقارير طلب المساعدة في جمع البيانات، وتحليل المصادر، وحتى كتابة أجزاء كبيرة من الرسالة من قبل قادة الحوثيين أو أقربائهم. يُفهم من هذه الطلبات أنها تهدف إلى الحصول على شهادات عليا دون الجهد الأكاديمي المطلوب.
جذور المشكلة
تعود جذور هذه المشكلة إلى عدة عوامل متداخلة. أحد أهم هذه العوامل هو تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن، مما يجعل الطلاب أكثر عرضة للخطر ويدفعهم إلى البحث عن طرق مختصرة للحصول على الشهادات. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي غياب الرقابة الفعالة والشفافية في الجامعات اليمنية إلى تسهيل هذه الممارسات.
ممارسات كسب الولاء وتأثيرها
لا يقتصر الأمر على الابتزاز المباشر. هناك أيضًا تقارير عن إغراق التعليم الجامعي بممارسات كسب الولاء، حيث يتم تفضيل الطلاب المرتبطين بالحوثيين في القبول والترقية والتوظيف. يؤدي هذا إلى خلق بيئة غير عادلة ويحبط الطلاب الآخرين الذين يعتمدون على كفاءتهم وجهودهم الشخصية.
تشير مصادر إلى أن هذه الممارسات ليست جديدة تمامًا، ولكنها ازدادت بشكل كبير في ظل الأوضاع الراهنة. وقد أدت إلى تآكل الثقة في الشهادات الجامعية اليمنية، مما يثير تساؤلات حول قيمة هذه الشهادات في سوق العمل.
في المقابل، يرى البعض أن هذه الاتهامات مبالغ فيها، وأنها تهدف إلى تشويه صورة الحركة الحوثية. لكن العديد من الأكاديميين والطلاب يؤكدون أنهم شهدوا أو علموا بقصص حقيقية عن ابتزاز وتدخل في العملية الأكاديمية. ويطالبون بفتح تحقيق مستقل وشفاف في هذه الادعاءات.
تأثير هذه الممارسات يتجاوز نطاق التعليم العالي ليشمل المجتمع اليمني ككل. فإذا سمح للابتزاز والفساد بالتفشي في الجامعات، فإن ذلك سيؤدي إلى تخريج أجيال غير مؤهلة وغير قادرة على المساهمة في بناء مستقبل البلاد.
كما أن هذه الممارسات تمثل تهديدًا للاستقرار السياسي والاجتماعي في اليمن. فإذا شعر الناس بأن الفرص لا تتاح إلا من خلال الولاءات الحزبية والطائفية، فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الانقسامات والصراعات. ويرى مراقبون أن جودة التعليم الأكاديمي مرتبطة بشكل وثيق بالتنمية المستدامة والاستقرار السياسي.
تعتبر هذه القضية جزءًا من أزمة أعم تعصف بالتعليم في اليمن. فالحرب الأهلية الدائرة منذ سنوات قد أدت إلى تدمير البنية التحتية التعليمية، وإغلاق العديد من المدارس والجامعات، ونزوح أعداد كبيرة من الطلاب والمعلمين. بالإضافة إلى ذلك، يعاني التعليم اليمني من نقص حاد في الموارد المالية والبشرية.
وفي سياق متصل، أكد وزير التعليم العالي اليمني، حسين مارش، في تصريح صحفي مؤخرًا، أن الوزارة تعمل على معالجة هذه المشكلة من خلال تعزيز الرقابة والإشراف على الجامعات، وتطوير آليات التقييم والاعتماد. وأضاف أن الوزارة ستتخذ إجراءات صارمة ضد أي شخص يثبت تورطه في ممارسات الابتزاز والفساد.
ولم يصدر حتى الآن رد رسمي من قيادة الحوثيين على هذه الاتهامات. لكن مصادر مطلعة تتوقع أن يتم تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الادعاءات، وأن يتم اتخاذ إجراءات مناسبة ضد أي شخص يثبت تورطه.
يتابع المجتمع اليمني عن كثب التطورات المتعلقة بهذه القضية. ويتوقع أن يتم تقديم نتائج التحقيق إلى الرأي العام في أقرب وقت ممكن. وتعتبر هذه القضية اختبارًا حقيقيًا لإرادة الحكومة اليمنية في مكافحة الفساد وتعزيز نزاهة التعليم. كما أنها فرصة لإعادة بناء الثقة في المؤسسات التعليمية اليمنية. وسيتم التركيز على متابعة الإجراءات التي تتخذها وزارة التعليم العالي بحلول نهاية الربع الأول من العام المقبل، مع الأخذ في الاعتبار التحديات المستمرة التي تواجهها البلاد.

