أوروبا ترد الصاع صاعين لترمب وتصفه بـ”النمطي المتقادم”

وجّهت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، انتقادات حادة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ردًا على تصريحاته الأخيرة التي تقلل من شأن أوروبا وتشكك في قدراتها. ودعت فون دير لاين القارة الأوروبية إلى تحديد مسارها الخاص في ظل التغيرات العالمية المتسارعة، مؤكدةً على ضرورة عدم السماح للرؤى الخارجية بتحديد مستقبلها. وتأتي هذه التصريحات في سياق توترات متزايدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصةً فيما يتعلق بقضايا الأمن والاقتصاد والتجارة، مما يضع مستقبل العلاقات بين أوروبا وأمريكا في دائرة التساؤلات.
تدهور مكانة الغرب وتصاعد قوة الصين: نظرة على الوضع الاقتصادي العالمي
جاءت ردة فعل فون دير لاين بعد أسبوع من انتقادات ترمب لقادة الاتحاد الأوروبي ووصفهم بالضعف، بالإضافة إلى إصداره استراتيجية جديدة للأمن القومي اعتبر فيها أن أوروبا تواجه “ضياعًا حضاريًا” و”تراجعًا اقتصاديًا”. وتعتبر هذه التصريحات بمثابة تصعيد في الخلافات القائمة بين الطرفين، والتي تشمل قضايا مثل الإنفاق الدفاعي، والاتفاقيات التجارية، والتعامل مع إيران.
وأشارت فون دير لاين إلى أن حصة أوروبا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي انخفضت بالفعل من 25% في عام 1990 إلى 14% حاليًا. لكنها أكدت أن الولايات المتحدة شهدت تراجعًا مماثلًا، حيث انخفضت حصتها من 22% إلى 14% خلال نفس الفترة. في المقابل، شهدت الصين نموًا اقتصاديًا سريعًا، مما أدى إلى زيادة حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بشكل ملحوظ.
تأثير تصريحات ترمب على الوحدة الأوروبية
وفقًا لمحللين سياسيين، فإن تصريحات ترمب تهدف إلى الضغط على الدول الأوروبية لزيادة إنفاقها الدفاعي والالتزام بتعهداتها تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو). ومع ذلك، فإن هذه التصريحات قد تؤدي أيضًا إلى تعزيز الشعور بالاستياء والشك في أوروبا تجاه الولايات المتحدة، وتقويض جهود تعزيز الوحدة والتكامل الأوروبي.
وأضافت فون دير لاين أن هذه الاستراتيجية الأمريكية ليست سبب المشاكل التي تواجه أوروبا، بل هي مجرد عرض لواقع عالمي متغير. وأكدت أن أوروبا يجب أن تكون مستعدة لمواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز استقلالها وقدراتها الخاصة.
الاستعداد لمستقبل مستقل: مبادرات الاتحاد الأوروبي
يتزايد الحديث داخل الاتحاد الأوروبي عن ضرورة تبني سياسة خارجية وأمنية أكثر استقلالية، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. ويعقد قادة الاتحاد الأوروبي قمة في بروكسل يوم الخميس لمناقشة هذه القضايا وتحديد الخطوات التالية. وتشمل هذه الخطوات إعداد خطة تمويل أوروبية خاصة بأوكرانيا، بعد أن قطعت الولايات المتحدة المساعدات عن كييف، بالإضافة إلى إبرام اتفاق تجاري مع دول “ميركوسور” في أمريكا الجنوبية.
يهدف الاتفاق التجاري مع “ميركوسور” إلى تنويع الشراكات التجارية للاتحاد الأوروبي وتقليل اعتماده على الولايات المتحدة والصين. كما يُنظر إليه على أنه رسالة سياسية تهدف إلى إظهار قدرة أوروبا على العمل بشكل مستقل وتحقيق مصالحها الخاصة. وتعتبر هذه الخطوة جزءًا من جهود أوسع لتعزيز السيادة الأوروبية في مختلف المجالات.
وتشير التقارير إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرس أيضًا إطلاق مبادرات جديدة في مجالات الدفاع والأمن، مثل تطوير قدرات عسكرية مشتركة وتعزيز التعاون الاستخباراتي. ويرى البعض أن هذه المبادرات ضرورية لضمان قدرة أوروبا على حماية مصالحها والدفاع عن قيمها في عالم يزداد تعقيدًا وعدائية. وتشمل التحديات التي تواجه أوروبا أيضًا قضايا مثل الهجرة والإرهاب والتغير المناخي، والتي تتطلب حلولًا أوروبية مشتركة.
تداعيات محتملة على الأمن القومي الأوروبي
قد يؤدي الابتعاد عن الحماية الأمريكية التقليدية إلى إعادة تقييم شاملة لاستراتيجيات الأمن القومي الأوروبي. وتشمل هذه الاستراتيجيات تعزيز القدرات الدفاعية الداخلية، وتطوير شراكات جديدة مع دول أخرى، والتركيز على الأمن السيبراني ومكافحة التهديدات الهجينة. ومع ذلك، فإن هذه التحولات قد تكون مكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً، وقد تتطلب أيضًا تغييرات في السياسات والميزانيات الأوروبية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك مخاوف بشأن تأثير هذه التطورات على حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويرى البعض أن تعزيز الاستقلالية الأوروبية قد يؤدي إلى إضعاف الحلف وتقليل أهميته في النظام الأمني العالمي. ومع ذلك، يرى آخرون أن أوروبا القوية والمستقلة يمكن أن تكون شريكًا أكثر فعالية للولايات المتحدة في حلف الناتو.
من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة المزيد من المناقشات والتحليلات حول مستقبل العلاقات عبر الأطلسي وتداعيات تصريحات ترمب على أوروبا. وستركز القمة الأوروبية في بروكسل على تحديد الخطوات التالية التي سيتخذها الاتحاد الأوروبي لتعزيز استقلاليته وقدراته الخاصة. ويجب مراقبة التطورات المتعلقة بالتمويل الأوروبي لأوكرانيا، وإبرام الاتفاق التجاري مع “ميركوسور”، والمبادرات الجديدة في مجالات الدفاع والأمن، لتقييم مدى جدية أوروبا في سعيها نحو مستقبل أكثر استقلالية.

