الروس بدأوا يشعرون بألم اقتصادي حقيقي من حرب بوتين

مع دخول حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا عامها الرابع، بدأت تظهر تأثيرات الحرب بشكل متزايد على حياة الروس اليومية، مما يضع ضغوطاً متزايدة على الاقتصاد الروسي. تشعر مناطق واسعة في وسط وجنوب روسيا بقرب الحرب، مع تقارير عن سقوط طائرات مسيرة وصواريخ على البنية التحتية الحيوية والمناطق السكنية. تُطلق صفارات الإنذار بشكل متكرر، لتذكير السكان بتصاعد النزاع وتأثيره المباشر.
بعيداً عن خطوط المواجهة، يشعر باقي أنحاء روسيا، بما في ذلك موسكو، بالتبعات الاقتصادية المتزايدة. تتراجع القدرة الشرائية للأسر، وتواجه الشركات في قطاعات رئيسية مثل الصلب والتعدين والطاقة صعوبات متزايدة، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الاقتصاد الروسي على الصمود في وجه هذه التحديات.
متاعب الاقتصاد الروسي وتداعيات الحرب
على الرغم من أن المعاناة في روسيا لا تقارن بتلك التي تعيشها أوكرانيا، إلا أن التكاليف المتزايدة للحرب بدأت تظهر بوضوح. تضغط الولايات المتحدة على موسكو لتقليل عائدات النفط والغاز، في إطار جهود أوسع للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. تشير التقارير إلى وجود مفاوضات أمريكية روسية سرية تهدف إلى التوصل إلى اتفاق يتضمن تخفيف العقوبات عن روسيا.
يرى المحللون أن الوضع الاقتصادي قد يدفع روسيا إلى إعادة النظر في استراتيجيتها، لكن حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى أن بوتين مستعد لإنهاء الحرب. صرح ألكسندر غابوييف، مدير مركز “كارنيغي” لروسيا وأوراسيا، بأن روسيا لم تصل بعد إلى “حافة الهاوية” التي قد تدفعها إلى إنهاء الصراع.
“اقتصاد الحرب” وتأثيره على القطاعات المدنية
يشهد قطاع الصناعات العسكرية ازدهاراً، بينما تعاني القطاعات المدنية من تباطؤ النمو وارتفاع التضخم. أظهرت البيانات أن الأجور ارتفعت بنحو 20% في عام 2024، مدفوعة بالاستثمارات العسكرية، لكن هذا أدى أيضاً إلى زيادة في الأسعار. رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة إلى مستوى قياسي بلغ 21% في محاولة للسيطرة على التضخم، لكن هذا الإجراء أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
تُظهر استطلاعات الرأي أن المستهلكين الروس يغيرون عاداتهم الشرائية، ويقللون من إنفاقهم على السلع غير الضرورية، ويتجهون نحو العلامات التجارية المحلية الأقل تكلفة. تراجع إنفاق الأسر على الغذاء، وفقاً لمنصة “سبير إندكس” التابعة لبنك “سبيربنك”.
تراجع الإنفاق الاستهلاكي وارتفاع الأسعار
أفاد مدير في شركة لتنظيم الفعاليات في منطقة موسكو أن الأسعار ترتفع بوتيرة أسرع من الأجور، مما يجبر الأسر على إعادة النظر في ميزانياتها. تراجع إجمالي الاستهلاك 14% هذا العام، وفقاً لشركة “سيفيرستال”، أكبر منتج للصلب في البلاد. كما يشهد قطاع التجزئة تحولاً كبيراً، مع إغلاق العديد من المتاجر، وخاصة متاجر الأزياء.
انخفضت مبيعات السيارات بنحو الربع خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض والضرائب الجديدة. تواجه شركات صناعة السيارات المحلية صعوبات في تلبية الطلب، في حين أن السيارات المستوردة أصبحت أكثر تكلفة.
أزمة الطاقة وتأثير الضربات الأوكرانية
أدت الضربات الأوكرانية المتزايدة على مصافي النفط والموانئ إلى أزمة في سوق الوقود المحلية، وارتفاع أسعار البنزين. على الرغم من انخفاض الأسعار قليلاً في نوفمبر، إلا أنها لا تزال مرتفعة، وتعاني بعض المناطق من نقص الإمدادات. تراجعت الإيرادات المحورية من النفط والغاز بأكثر من الخُمس في الفترة من يناير إلى أكتوبر الماضيين مقارنة بالعام السابق.
تُشير التقديرات إلى أن عجز الموازنة الروسية قد يرتفع إلى 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام الحالي. تخطط الحكومة لزيادة الضرائب العام المقبل، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة، لتعويض النقص في الإيرادات.
مستقبل الاقتصاد الروسي
يرى خبراء الاقتصاد أن الاقتصاد الروسي يواجه تحديات كبيرة، وأن التدهور المستمر في الظروف الاقتصادية قد يستمر في السنوات القادمة. خلص مركز الأبحاث الاستراتيجية في موسكو إلى أنه “لم يتبق تقريباً أي فرصة لتفادي الركود”. يتوقع المحللون نمواً متواضعاً هذا العام والعام المقبل، لكنهم يحذرون من أن الوضع قد يتدهور إذا استمرت الحرب.
من المتوقع أن تشهد روسيا زيادة في الاقتراض من خلال مبيعات السندات الداخلية، وفرض ضرائب جديدة على الشركات والأفراد. يبقى مستقبل الاقتصاد الروسي مرتبطاً بشكل وثيق بتطورات الحرب في أوكرانيا، والقدرة على التوصل إلى اتفاق سلام. يجب مراقبة تطورات المفاوضات الأمريكية الروسية، وتأثير العقوبات الغربية، وأداء قطاع الطاقة في الأشهر القادمة لتقييم المسار المستقبلي للاقتصاد الروسي.

