الفشل الحقيقي في المناخ لم يحدث في البرازيل فقط

تتعالى الأصوات المحبطة من نتائج مؤتمر الأطراف الثلاثين للمناخ (COP30) الذي اختتم أعماله في بيليم البرازيلية نهاية الأسبوع، حيث يرى البعض فيه فشلاً جديداً في معالجة التغير المناخي. فلم يتضمن البيان الختامي رؤية واضحة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، واقتصر التمويل المخصص لحماية الغابات على نحو 6 مليارات دولار، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالـ 125 مليار دولار المطلوبة. إلا أن هذا التقييم السريع قد يكون مضللاً، ويستدعي إعادة النظر في كيفية تقييمنا للتقدم – أو عدمه – في قضية المناخ.
القمة الأخيرة سلطت الضوء على تريليون دولار مخصصة للطاقة النظيفة، لكنها كشفت أيضاً عن خلافات عميقة حول آليات التمويل والمسؤولية عن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وتعتبر هذه الخلافات جزءاً من التحديات المتزايدة التي تواجه جهود مكافحة التغير المناخي على المستوى الدولي.
أبعد من قاعات المؤتمرات: الواقع الفعلي لتغير المناخ
الرفض الصريح لإدراج الوقود الأحفوري في الاتفاق النهائي لا يمثل بالضرورة كارثة، بالنظر إلى القوة التي تمتلكها الدول المنتجة للنفط في عرقلة مثل هذه الإشارات في النصوص الرسمية. لكن المفارقة تكمن في أن هذه الإشارات وصلت إلى مراحل متقدمة في الصياغة، مما يدل على أن التحول في مجال الطاقة يكتسب زخماً، حتى لو لم يتم الاعتراف به بشكل كامل.
في الواقع، تشير التوقعات الأساسية لوكالة الطاقة الدولية إلى انخفاض في استهلاك الوقود الأحفوري بنسبة 12% بحلول عام 2050 مقارنة بما كان متوقعاً قبل أربع سنوات، أي منذ مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في غلاسكو. كما سجلت الصين والهند، وهما أكبر مستهلكين للفحم في العالم، انخفاضاً في استهلاكهما هذا العام. هذه نتائج ملموسة تتجاوز بكثير مجرد الصياغات اللغوية في وثيقة أممية.
المشاكل الحقيقية المتعلقة بتغير المناخ لا تقتصر على المناقشات الدائرة في قاعات المؤتمرات، بل تكمن في التفاصيل الدقيقة لخطط الدول لخفض الانبعاثات، والمعروفة باسم “المساهمات المحددة وطنياً” (Nationally Determined Contributions – NDCs). هذه المساهمات، كما حددها اتفاق باريس عام 2015، هي الأساس الذي تقوم عليه الجهود العالمية للحد من غازات الاحتباس الحراري.
مؤشرات متضاربة في تنفيذ الالتزامات
تهدف المساهمات المحددة وطنياً إلى تحديد أهداف واضحة وقابلة للقياس، مع السعي لزيادة الطموح بمرور الوقت. وتشير الأدلة إلى أن الحكومات التي تلتزم فعلياً بهذه الأهداف غالباً ما تحققها. ومع ذلك، فإن أحدث قائمة بالخطط، التي تحدد مسار الانبعاثات حتى عام 2035، لا تزال أقل بكثير من المستوى المطلوب لتحقيق أهداف اتفاق باريس.
فمن بين أكبر عشر دول أو مناطق مسببة للتلوث، والمسؤولة عن ثلاثة أرباع انبعاثات الكربون العالمية، لم تقدم سوى الاتحاد الأوروبي واليابان خططاً تتوافق مع التوقعات. في حين أن خطة إدارة بايدن الأمريكية، التي تم تقديمها قبل 6 أسابيع من انتخاب الرئيس دونالد ترامب، أصبحت الآن موضع تساؤل كبير.
على صعيد آخر، لم تتقدم دول مثل الهند وإيران والسعودية وكوريا الجنوبية بعد بأي مقترحات محددة. أما الصين وروسيا وإندونيسيا، فقد قدمت خططاً طموحة بشكل سطحي، تسمح لها بزيادة انبعاثاتها بشكل كبير عن مستويات 2023، مع الادعاء بأنها تساهم في تحقيق الهدف العالمي.
التحول الشعبي نحو الطاقة النظيفة
بعيداً عن السياسات الحكومية، يشهد العالم تحولاً شعبياً نحو الطاقة النظيفة. مثال على ذلك، العائلات الباكستانية التي تتخلى عن شبكات الكهرباء التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري لصالح الطاقة الشمسية الأرخص. كما أن الإقبال على السيارات الكهربائية في تركيا يزداد بوتيرة أسرع من الولايات المتحدة أو أستراليا. هذا التحول المستقل يعكس وعياً متزايداً بأهمية الاستدامة ومكافحة التغير المناخي.
وفي كثير من الحالات، يتولى المواطنون مسؤولية تنفيذ السياسات بشكل أكثر فعالية مما يفعله قادتهم. على سبيل المثال، على الرغم من المخاوف بشأن زيادة الطلب على الطاقة لتشغيل مراكز البيانات المتنامية في الولايات المتحدة، فإن نسبة الوقود الأحفوري المستخدم في مشاريع توليد الكهرباء الجديدة لا تتجاوز 11%.
معظم التقنيات اللازمة لمواجهة تحديات التغير المناخي متوفرة بالفعل، وهي أرخص من البدائل التقليدية، لولا العوائق واللوائح التي تعيق تقدمها. المشكلة تكمن في أن قادة العالم هم آخر من يدركون هذه الحقيقة في كثير من الأحيان.
الجيل الشاب، الذي يمثل حوالي نصف سكان العالم، يدرك بشكل متزايد فوائد مكافحة تغير المناخ. ولكن، بمتوسط عمر يبلغ 69 عاماً، فإن قادة أكثر عشر دول مسببة للانبعاثات غالباً ما يظهرون لامبالاة تجاه الآثار المترتبة على هذه القضية في المستقبل.
من المتوقع أن تشهد الأشهر القليلة القادمة نقاشات مكثفة حول مراجعة المساهمات المحددة وطنياً للدول الأعضاء في اتفاق باريس، وتقديم خطط أكثر طموحاً للحد من الانبعاثات. وستركز الجهود أيضاً على تحديد آليات تمويل عادلة وفعالة لدعم الدول النامية في جهودها للتكيف مع آثار التغير المناخي. يبقى التحدي الأكبر هو تحويل الالتزامات السياسية إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع، وضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية في هذا المسعى العالمي.

