فنزويلا بين فكي ترمب.. تهديدات عسكرية أميركية وغصن زيتون مشروط

يشهد الوضع في فنزويلا تصعيداً ملحوظاً مع استمرار الضغط العسكري والسياسي من قبل الولايات المتحدة، في ظل اتهامات متبادلة تتعلق بتهريب المخدرات واشتعال التوترات في المنطقة. وتأتي هذه التطورات مع استمرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ممارسة سياسة “الضغط الأقصى” على حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وتقديم عروض للحل السياسي تتضمن شروطاً واضحة، بينما ترفض كاراكاس تلك الشروط وتستعد لمواجهة محتملة. هذا الصراع بين أميركا وفنزويلا يثير قلقاً دولياً بشأن استقرار المنطقة وتأثيره على أسواق الطاقة العالمية.
وصلت حاملة الطائرات الأميركية “جيرالد آر. فورد” إلى المياه القريبة من السواحل الفنزويلية، بالتزامن مع تكثيف الضربات الجوية التي تستهدف زوارق يُشتبه في ارتباطها بشبكات تهريب المخدرات. في المقابل، يرفض الرئيس مادورو بشدة العرض الأميركي، واصفاً إياه بأنه “سلام العبيد” ومشدداً على التمسك بالسيادة الوطنية. تتزايد المطالبات داخل واشنطن بتوضيح الرؤية الاستراتيجية للإدارة بشأن فنزويلا وتداعيات التصعيد المحتمل.
كيف تطور الصراع بين أميركا وفنزويلا؟
بدأ التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا بالتصاعد بشكل ملحوظ خلال فترة ولاية الرئيس ترمب الأولى. تبنت واشنطن سياسة “الضغط الأقصى” على حكومة مادورو، مع دعمها للمعارضة بقيادة خوان غوايدو وفرض عقوبات اقتصادية ومالية ونفطية مشددة، بدعوى تزوير الانتخابات والتورط في شبكات تهريب المخدرات.
في مارس 2020، أعلنت وزارة العدل الأميركية عن مكافأة مالية كبيرة قدرها 15 مليون دولار، ثم رفعتها لاحقاً إلى 50 مليون دولار، مقابل معلومات تؤدي إلى القبض على الرئيس مادورو، بتهمة قيادته ما يسمى بـ”كارتل دي لوس سوليس”.
عودة التوتر مع عودة ترمب
مع عودة دونالد ترمب إلى الرئاسة في بداية عام 2025، تجدد الصراع بشكل أكثر حدة. نفذت الولايات المتحدة في سبتمبر من العام نفسه ضربة جوية استهدفت زورقاً في منطقة البحر الكاريبي، واتهمت عصابة “ترين دي أراغوا” الفنزويلية بالضلوع في تهريب المخدرات. وأسفرت هذه العملية عن مقتل عدد من الأشخاص، واعتبرتها واشنطن جزءاً من حملتها لحماية الأمن القومي ومنع وصول المخدرات إلى أراضيها.
ردت كاراكاس باعتبار الضربة “إعداماً خارج القانون”، واتهمت الإدارة الأميركية بالسعي إلى تقويض سيادة فنزويلا وإثارة مواجهة عسكرية.
الوضع الحالي بين أميركا وفنزويلا
يشهد الوضع بين الولايات المتحدة وفنزويلا حالياً تصعيداً عسكرياً كبيراً، حيث أعلنت واشنطن إغلاق المجال الجوي والمياه المحيطة بفنزويلا بشكل كامل، وهو ما اعتبرته كاراكاس عملاً عدوانياً وانتهاكاً للسيادة الوطنية. كما هدد الرئيس ترمب بتوجيه ضربات برية ضد عصابات المخدرات في فنزويلا وخارجها.
نشرت الولايات المتحدة حاملة الطائرات “جيرالد آر. فورد” في البحر الكاريبي، وعلى متنها نحو 5 آلاف جندي وعشرات الطائرات المقاتلة، بالإضافة إلى مجموعة قتالية تضم غواصة نووية ومدمرات مزودة بصواريخ، وذلك في إطار ما تصفه وزارة الدفاع الأميركية بأنه “عمليات مشروعة” تستهدف زوارق يُشتبه في تورطها في تهريب المخدرات من فنزويلا.
كشف تقرير لصحيفة “ذا غارديان” أن الرئيس ترمب عرض على مادورو “ممرّاً آمناً” له ولعائلته مقابل التخلي عن السلطة، لكن مادورو رفض العرض، مطالباً بضمانات و”جسر حصانة” له ولجنرالاته.
أشار ترمب إلى أن القرار النهائي بشأن فنزويلا لم يتخذ بعد، مضيفاً: “سنرى ما سيحدث”. وذكرت وزارة الدفاع الأميركية أنها نفذت 21 ضربة ضد زوارق فنزويلية منذ سبتمبر، مما أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصاً، في محاولة لعرقلة تدفق الكوكايين إلى الأراضي الأميركية.
هل يمكن أن توجه الولايات المتحدة ضربة عسكرية لفنزويلا؟
لا تزال الأمور غير واضحة حتى الآن، لكن هناك حديث متزايد في أوساط الكونغرس الأميركي حول النهج الذي يتبعه الرئيس ترمب تجاه فنزويلا، خاصة بعد التقارير التي أشارت إلى استهداف ضربة أميركية زورقاً فنزويلياً، وحتى استهداف ناجين كانوا يحاولون السباحة نحو الشاطئ. هذه الحوادث دفعت بعض النواب إلى المطالبة بتوضيح موقف ترمب من فنزويلا، وتداول مقترحات بتفعيل “صلاحيات الحرب” للحد من أي تحرك عسكري واسع النطاق دون موافقة الكونغرس.
كشفت تقارير إعلامية أن البيت الأبيض عقد عدة اجتماعات لمناقشة سيناريوهات لعمليات عسكرية محتملة ضد فنزويلا، بمشاركة الرئيس ترمب نفسه. تتضمن الأهداف المحتملة لهذه الضربات موانئ ومطارات خاضعة للسيطرة العسكرية يُشتبه في استخدامها لتهريب المخدرات.
في المقابل، حذّر مادورو من أن أي تدخل عسكري سيواجه بـ”مقاومة شعبية” مسلحة. ورغم ذلك، يظل خيار الضربة العسكرية مثيراً للجدل داخل الولايات المتحدة، حيث يرفض نحو 65% من الأميركيين استخدام القوة العسكرية في فنزويلا دون موافقة حكومتها، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
تأثير العقوبات على النفط الفنزويلي
تواصل الولايات المتحدة استخدام العقوبات كأداة ضغط ضد فنزويلا، حيث فرضت قيوداً جديدة على تدفقات النفط الفنزويلي في نوفمبر 2025، بالإضافة إلى تصنيف جماعة “كارتل دي لوس سوليس” كـ”منظمة إرهابية أجنبية”.
على الرغم من العقوبات والتدهور الاقتصادي، لا تزال فنزويلا تمتلك احتياطات نفطية ضخمة، وتقدر بـ303.2 مليار برميل، مما يجعلها لاعباً مهماً في سوق النفط العالمية. وتعتمد الصين بشكل كبير على النفط الفنزويلي، حيث تستقبل حوالي 80% من صادرات البلاد.
من المتوقع أن تستمر التوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا في التصاعد خلال الفترة المقبلة، مع احتمال فرض المزيد من العقوبات أو حتى التفكير في خيارات عسكرية. تتوقف التحركات القادمة على رد فعل مادورو، وتطور الوضع السياسي والاقتصادي في فنزويلا، ومدى استعداد الإدارة الأميركية لتحمل المخاطر المحتملة. يبقى الوضع في فنزويلا معقداً وغير مؤكد، ويتطلب مراقبة دقيقة لتطوراته وتداعياته المحتملة.

