فورة صناديق تحوط في الإمارات بدعم من رؤوس أموال أجنبية

تشهد دبي وأبوظبي تحولاً ملحوظاً ليصبحا مركزاً جاذباً لمديري الأموال المستقلين، حيث تستقطبان تدفقات كبيرة من الاستثمارات والخبرات العالمية. وقد شهدت الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في توافد فروع كبرى صناديق التحوط العالمية، مما يعزز مكانتها كوجهة رئيسية في قطاع إدارة الأصول. هذا التوجه يعكس الثقة المتزايدة في الاقتصاد الإماراتي وبيئة الأعمال الداعمة.
على الرغم من ترسيخ مديري الأموال المستقلين لوجودهم في الإمارات، مدعومين بوجود صناديق سيادية ضخمة تمتلك أصولاً تقدر بتريليونات الدولارات، إلا أن الدعم الأولي للعديد من هذه المشاريع الجديدة يأتي من شركات أمريكية وأوروبية متخصصة. هذا يشير إلى أهمية الشراكات الدولية في تطوير هذا القطاع الناشئ.
تزايد عدد مديري الصناديق المستقلة في الإمارات
يقوم ما لا يقل عن خمسة مديري محافظ من ذوي الخبرة العالية في كبرى صناديق التحوط بتأسيس كياناتهم الخاصة في المنطقة، مستفيدين من المزايا التي تقدمها الإمارات. وتستفيد أكبر ثلاثة من هذه الكيانات من دعم مالي وإداري من شركات مرموقة مثل “برومر آند بارتنرز” (Brummer & Partners)، و”شونفيلد ستراتيجك أدفايزرز” (Schonfeld Strategic Advisors)، و”مورغان ستانلي”.
حصل نيكولاي ألكسندروف مؤخراً على استثمار كبير بقيمة تقارب 500 مليون دولار من ذراع إدارة الأصول التابعة لـ “مورغان ستانلي” لصندوقه الكمي الجديد “كونتينيوم كابيتال مانجمنت” (Continuum Capital Management). وسيركز ألكسندروف، الذي عمل سابقاً في “إكسودس بوينت كابيتال مانجمنت” (ExodusPoint Capital Management) و”ميلينيوم مانجمنت” (Millennium Management)، في استثماراته بشكل حصري لصالح “مورغان ستانلي”.
دعم الشركات العالمية للانطلاقات الجديدة
انضم نيكولاوس هيلدبراند، الذي يتمتع بخبرة سابقة في “بريڤان هاوارد أسيت مانجمنت” (Brevan Howard Asset Management) و”إكسودس بوينت”، إلى “برومر” (Brummer) لإطلاق وحدة تداول جديدة. ومن المتوقع أن يدير صندوق “برومر فيكد إنكم” الجديد، الذي حصل على تخصيص أولي يقارب 500 مليون دولار من الشركة الأم، بالإضافة إلى حوالي 600 مليون دولار تم جمعها من مستثمرين خارجيين. وقد بدأ الصندوق بالفعل في تنفيذ صفقات التداول الشهر الماضي.
في وقت سابق من هذا العام، حصل عمر نويرا على تمويل بقيمة 500 مليون دولار من “شونفيلد” (Schonfeld) لإنشاء صندوقه “إنسايت كابيتال مانجمنت” (Insight Capital Management) في أبوظبي، والذي يختص في انتقاء الأسهم. وستركز الشركة في البداية على التداول حصرياً لصالح “شونفيلد”.
جاذبية الإمارات لمديري الأصول
تعتبر الإمارات وجهة جذابة بشكل متزايد لمديري الصناديق الناشئين الذين يبحثون عن بيئة مواتية للعيش والعمل وجمع الأموال وتطوير شركاتهم. وقد اختار البعض، مثل ألكسندروف، الإقامة بالفعل في الدولة، بينما انتقل آخرون، مثل هيلدبراند، إلى الإمارات بهدف إطلاق صناديقهم في بيئة توفر مستوى معيشة مرتفعاً وخالية من الضرائب، بالإضافة إلى إمكانية التداول عبر مناطق زمنية متعددة. هذا يعزز من كفاءة عملياتهم الاستثمارية.
بعد أن كانت الإمارات تستضيف عدداً محدوداً من صناديق التحوط قبل عقد من الزمن، أصبحت اليوم واحدة من أكثر المواقع جاذبية في هذا القطاع، حيث افتتحت معظم الشركات متعددة الاستراتيجيات مكاتب لها في دبي أو أبوظبي. والآن، بدلاً من الاكتفاء بمدينة واحدة، يتجه البعض إلى إنشاء مواقع في كلتا المدينتين. دبي تجذب المواهب الشابة بأسلوب حياتها العصري وكونها مركزاً لمكاتب العائلات التي تدير أصولاً تتجاوز تريليون دولار، بينما توفر أبوظبي، بفضل دعم حكومتها للشركات، إمكانات أكبر لجمع التمويل.
دور الصناديق السيادية في دعم القطاع
لا يزال الحصول على دعم مباشر من الصناديق السيادية الإماراتية الكبرى يمثل تحدياً، نظراً لميلها إلى الحذر في تحمل المخاطر، وطول الفترة الزمنية التي تستغرقها قبل اتخاذ قرارات الاستثمار، وارتفاع معاييرها. ومع ذلك، فإن أكبر هذه الصناديق، جهاز أبوظبي للاستثمار الذي يدير أصولاً بقيمة تريليون دولار، يدعم بالفعل بعضاً من أكبر صناديق التحوط في العالم، ويعمل على زيادة تخصيصاته لحسابات الإدارة المستقلة للاستثمار في صناديق أخرى.
أشار ريتشارد فينتون، رئيس مبيعات “برايم” في الشرق الأوسط لدى “آي جي برايم” (IG Prime)، إلى أن جذب انتباه الصناديق السيادية يتطلب سجلات أداء استثنائية. وأضاف أنه يجب على مديري الصناديق تقديم شيء جديد ومبتكر لكي يتمكنوا من المنافسة، وإلا فإن هذه الصناديق ستفضل الاستمرار في تخصيص استثماراتها لمديرين راسخين.
كلاوس روزنبرغ غوتارد ومارتن راسموسن اختارا أبوظبي لإطلاق “دوفهاوس كابيتال” (Dovehouse Capital)، وهو صندوق جديد متعدد الاستراتيجيات. ومن المقرر أن ينتقل غوتارد إلى الإمارات قادماً من البرتغال، بينما سيسافر راسموسن من إيطاليا بشكل دوري، مرة كل أسبوعين.
ويليام إسفي انتقل أيضاً من المملكة المتحدة إلى أبوظبي لتأسيس صندوق تحوط متخصص في الاستثمار في الأسهم، ومن المتوقع إطلاقه في العام المقبل. وكان إسفي يعمل سابقاً كمدير محفظة في “إس بي إكس كابيتال” (SPX Capital) و”ميلينيوم”.
أديل هابر، الذي عمل سابقاً في “ميلينيوم”، يدرس حالياً ما إذا كانت دبي أو لندن ستكون المقر المناسب لصندوقه الجديد “كوانت دي كابيتال” (Quant D Capital). ومن المتوقع أن يبدأ الصندوق في التداول بأدوات أسعار الفائدة والعملات في النصف الثاني من العام المقبل.
يتوقع فينتون أن مديري المحافظ في الشركات متعددة الاستراتيجيات سيسعون إلى تأسيس صناديقهم الخاصة وجذب استثمارات من مكاتب العائلات المحلية في الإمارات، والتي تبحث عن تنويع استراتيجياتها الاستثمارية. وأضاف أن النظام البيئي في الإمارات سيشهد نمواً مطرداً، على غرار ما حدث في نيويورك ولندن، وأننا نشهد الآن بدايات هذا التطور.
من المتوقع أن يستمر هذا التوجه في جذب المزيد من مديري الأموال إلى الإمارات، مما يعزز مكانتها كمركز مالي عالمي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المشاريع الجديدة يعتمد على قدرتها على تحقيق أداء متميز وجذب الدعم المالي من المستثمرين، بما في ذلك الصناديق السيادية. وسيكون من المهم مراقبة تطورات هذا القطاع في الأشهر والسنوات القادمة، وتقييم تأثيره على الاقتصاد الإماراتي.

