Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الاقتصاد

ماكرون يدعو لإعادة التوازن في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والصين

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعادة توازن شاملة في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والصين، محذراً من تفاقم الاختلالات التجارية التي تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي. جاءت هذه الدعوة في مقال نشره الرئيس الفرنسي بعد زيارته الأخيرة لبكين، حيث أكد على ضرورة تعزيز التنافسية الأوروبية وتجنب الانزلاق نحو حروب تجارية مدمرة. وتعتبر هذه القضية، وهي العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والصين، ذات أهمية متزايدة في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية الحالية.

وأشار ماكرون إلى أن الفائض التجاري الصيني مع بقية دول العالم بلغ مستويات قياسية، تقدر بتريليون دولار، مما يعكس عدم التكافؤ في الميزان التجاري. كما لفت إلى أن الفائض التجاري للصين مع الاتحاد الأوروبي قد تضاعف تقريباً خلال العقد الماضي ليصل إلى 300 مليار يورو، ويعزى ذلك جزئياً إلى الرسوم الجمركية الأمريكية والطلب المحلي الضعيف في الصين.

اختلالات الميزان التجاري وتأثيرها على الاقتصاد الأوروبي

وأوضح الرئيس الفرنسي أن استمرار هذا الوضع غير المستدام يضر بالاقتصاد الأوروبي ويقوض قدرته التنافسية. ويرى أن فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية ليس حلاً تعاونياً، بل هو رد فعل قد يؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية. بدلاً من ذلك، يرى ماكرون أن المشكلة تكمن في ضعف الإنتاجية الأوروبية والسياسات الصينية التي تركز على النمو القائم على التصدير.

وحذر من أن عدم معالجة هذه الاختلالات قد يؤدي إلى اندلاع “نزاع تجاري كارثي”، لكنه أكد في الوقت نفسه أن الاتحاد الأوروبي والصين يمتلكان الأدوات اللازمة لتصحيح المسار. وشدد على أهمية تعزيز السوق الموحدة الأوروبية وتحفيز الابتكار والنمو، بالإضافة إلى تحقيق تكافؤ الفرص في الاستثمار بين الجانبين.

تعزيز التنافسية الأوروبية

واقترح ماكرون مجموعة من الإجراءات لتعزيز التنافسية الأوروبية، بما في ذلك إكمال السوق الداخلية في قطاعات حيوية مثل الطاقة والصحة والرقمنة. كما دعا إلى زيادة الاستثمار في البحث والتطوير والتقنيات المتقدمة، وتقليل المخاطر المتعلقة بالاعتماد على مصادر خارجية للمواد والتقنيات الاستراتيجية. ويعتبر الاستثمار في الابتكار، وهو أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، أمراً بالغ الأهمية لتعزيز مكانة أوروبا في الاقتصاد العالمي.

أجندة اقتصادية أوروبية جديدة

ودعا الرئيس الفرنسي إلى إطلاق “أجندة اقتصادية جديدة” للاتحاد الأوروبي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: التنافسية والابتكار والحماية. وأكد على ضرورة تسهيل توسع الشركات الأوروبية وتمكينها من المنافسة بفعالية في الأسواق العالمية. وشدد على أهمية دعم الإنتاج الأوروبي الاستراتيجي في قطاعات مثل السيارات والطاقة المتجددة والرعاية الصحية والتكنولوجيا، مع الحفاظ على مبادئ المنافسة العادلة.

وأضاف ماكرون أن الحماية من المنافسة غير العادلة ضرورية لضمان صمود الاقتصاد الأوروبي. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يمتلك مجموعة من الأدوات التجارية الدفاعية، بما في ذلك الرسوم الجمركية والإجراءات المضادة للإكراه، وأنه مستعد لاستخدامها عند الضرورة. ويأتي هذا في سياق سعي الاتحاد الأوروبي إلى حماية مصالحه الاقتصادية وضمان تكافؤ الفرص لشركاته.

الحد من الاعتماد على الصين وتشجيع الاستثمار الأوروبي

أشار ماكرون إلى أن الشركات الأوروبية تواصل زيادة استثماراتها في الصين، على الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن الاعتماد الصناعي على هذا البلد. ودعا إلى تحويل جزء من هذه الاستثمارات نحو أوروبا، والاستفادة من حجم المدخرات الأوروبية الهائل، الذي يقدر بنحو 30 تريليون يورو، لتمويل المشاريع الاستثمارية داخل القارة. ويرى أن هذا التحول ضروري لتعزيز الاستقلال الاقتصادي الأوروبي وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على الصين.

واقترح تبسيط القواعد التنظيمية وتفعيل آليات توريق الأصول وإنشاء إشراف موحد لتمويل الاستثمارات. كما دعا إلى تنفيذ “اتحاد الادخار والاستثمار” لتسهيل تدفق المدخرات الأوروبية نحو المشاريع المبتكرة والنامية. ويعتبر هذا الاتحاد خطوة مهمة نحو تعزيز التكامل الاقتصادي الأوروبي وتحفيز النمو المستدام.

دور اليورو في التجارة العالمية

وشدد الرئيس الفرنسي على أهمية تعزيز الدور الدولي لليورو، من خلال تطوير عملات مستقرة مقومة باليورو وإطلاق “يورو رقمي”. كما دعا إلى إنشاء أصول آمنة وسائلة لتمويل الدفاع والتقنيات الاستراتيجية. ويرى أن التنافسية الأوروبية يجب ألا تتأثر بتقلبات أسعار صرف الدولار الأمريكي واليوان الصيني. ويعتبر تعزيز اليورو، وهو عملة رئيسية في التجارة الدولية، أمراً ضرورياً لتعزيز الاستقلال الاقتصادي الأوروبي وتقليل اعتماده على الدولار.

وفي الختام، أكد ماكرون أن إعادة التوازن في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والصين يجب أن تكون عملية تعاونية تشمل أيضاً الولايات المتحدة. وأشار إلى أن هذا التوازن سيكون في صميم أجندة فرنسا خلال رئاستها لمجموعة السبع العام المقبل، وأنه سيسعى إلى حشد جهود الاقتصادات الكبرى والناشئة لتحقيق هذا الهدف. ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة نقاشات مكثفة حول هذه القضايا، وأن يتم تقديم مقترحات ملموسة لتصحيح الاختلالات التجارية وتعزيز التنافسية الأوروبية. وستكون ردود فعل الصين والولايات المتحدة حاسمة في تحديد مسار هذه العلاقات في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *