واشنطن تتجه لزيادة استثماراتها بشركات المعادن النادرة لمواجهة نفوذ الصين

تخطط الحكومة الأمريكية لزيادة استثماراتها في شركات تعدين المعادن النادرة، في خطوة تعتبرها واشنطن ضرورية لتعزيز الأمن القومي وتقليل الاعتماد على الصين. وقد صرح مسؤول رفيع في البيت الأبيض يوم الخميس بأن هذه الاستحواذات الجزئية، والتي كانت غير معتادة في السابق، تهدف إلى تأمين سلاسل الإمداد لهذه المواد الحيوية المستخدمة في مجموعة واسعة من الصناعات التكنولوجية والدفاعية.
أتى هذا الإعلان خلال منتدى بواشنطن، حيث أكد جارود أجن، المدير التنفيذي للمجلس الوطني لهيمنة الطاقة، أن العديد من الشركات تقدم مقترحات للحصول على دعم حكومي. ووفقًا لأجن، فإن هذا الدعم الحكومي المباشر هو الطريقة الوحيدة لمنافسة الصين في هذا المجال الاستراتيجي، حيث تمتلك بكين بالفعل سيطرة كبيرة على إنتاج وتصدير هذه المعادن.
أهمية المعادن النادرة للأمن القومي والاقتصادي
تُعد المعادن النادرة مكونات أساسية في العديد من التقنيات الحديثة، بدءًا من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وصولًا إلى أنظمة الدفاع المتقدمة. تشمل هذه المعادن الغاليوم والكوبالت والليثيوم، والتي تستخدم في صناعة أشباه الموصلات، وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، والبطاريات، والمغناطيسات عالية الأداء، ومكونات الطائرات النفاثة.
يعزى الاهتمام المتزايد بالمعادن النادرة على المستوى العالمي إلى الدور الحاسم الذي تلعبه في التحول نحو الطاقة النظيفة والاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة. تعتبر هذه المعادن ضرورية لتصنيع السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والأجهزة الطبية، مما يزيد من أهميتها الاستراتيجية.
استثمارات إدارة ترامب في قطاع المعادن النادرة
بدأت الولايات المتحدة بتكثيف جهودها للاستثمار في قطاع المعادن النادرة خلال العام الماضي، حيث أنفقت إدارة ترامب ما يزيد عن مليار دولار للاستحواذ على حصص في شركات تعدين أمريكية وكندية. وقد أدت هذه الاستثمارات إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار أسهم الشركات المعنية.
من أبرز الصفقات التي أبرمتها إدارة ترامب، الاستحواذ على حصة 15% في شركة “إم بي ماتيريالز كورب” (MP Materials Corp) مقابل 400 مليون دولار. كما تم الاستثمار بـ 670 مليون دولار في شركة “فولكان إيليمنتس” (Vulcan Elements) المتخصصة في إنتاج المغناطيس، بالإضافة إلى الاستحواذ على 10% من شركة الاستكشاف الكندية “تريولوجي ميتالز” (Trilogy Metals) بقيمة 35.6 مليون دولار.
بالإضافة إلى ذلك، استحوذت الإدارة على حصة في شركة “ليثيوم أميركاز” (Lithium Americas) كجزء من اتفاقية لإعادة هيكلة قرض بقيمة 2.23 مليار دولار. تطوّر هذه الشركة احتياطيات كبيرة من الليثيوم داخل الولايات المتحدة، مما يعزز من قدرتها على تلبية الطلب المتزايد على هذا المعدن الحيوي.
رفض جارود أجن الإفصاح عن اسم الشركة التالية التي قد تستهدفها الحكومة الأمريكية للاستثمار، ولكنه أكد أن هناك العديد من الشركات التي تتقدم بطلبات واضحة ومقنعة.
التوترات التجارية مع الصين وتأثيرها على المعادن النادرة
تأتي هذه الاستراتيجية الأمريكية في سياق تصاعد التوترات التجارية مع الصين، حيث أصبحت الاعتمادية على بكين في الحصول على المعادن النادرة مصدر قلق كبير لواشنطن. ردت الصين على القيود التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة بفرض قيود على صادراتها من العناصر الأرضية النادرة، مما أدى إلى تعطيل الإمدادات العالمية لفترة مؤقتة.
أظهرت هذه الإجراءات مدى هشاشة سلاسل الإمداد العالمية وسهولة تعرضها للاضطرابات السياسية. وشدد أجن على أن الحكومة الأمريكية تسعى إلى تأمين مصادر بديلة لهذه المعادن الحيوية لضمان استمرار قدرة الصناعة الأمريكية على المنافسة والابتكار.
وكشف أجن أن الحكومة الأمريكية لا تكتفي بالشراء، بل تسعى أيضًا إلى امتلاك حصص في الشركات لتقديم دعم مباشر لها. وأضاف أن هذا الدعم يعزز من موقف الشركات الأمريكية في مواجهة المنافسة الصينية، ويجعلها أقل عرضة للمخاطر السياسية.
من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في جهودها لتنويع مصادر المعادن النادرة وتعزيز قدراتها المحلية في هذا المجال. وتركز حاليًا على تطوير مشاريع تعدين جديدة داخل البلاد، بالإضافة إلى البحث عن شراكات استراتيجية مع دول أخرى.
يبدو أن الخطوة التالية لواشنطن ستكون تحديد الشركات التي ستستفيد من حزمة تمويل جديدة مخصصة لدعم مشاريع المعادن النادرة في الولايات المتحدة. ومن غير الواضح حتى الآن متى سيتم الإعلان عن هذه الشركات، ولكن من المؤكد أن هذا القرار سيكون له تأثير كبير على مستقبل هذا القطاع الحيوي. يجب مراقبة التطورات السياسية والاقتصادية في هذا المجال عن كثب لفهم التداعيات المحتملة على الصناعة العالمية.

