أشجع كريم العرب (الطائي).. ورحيل الملك فيصل في ذاكرتي!
يرى رئيس نادي حائل الأدبي الدكتور نايف المهيلب أن الكتابة رسالة مرتبطة بالقراءة متوجة بالتأمل والاستنتاج، مضيفا: أن قريته الصغيرة (عقدة) بين جبال أجا كان مولده وطفولته بين حقول العنب والتفاح والرمان، مبيناً أن وفاة الملك فيصل رحمه الله، من أبرز الأحداث المؤثرة في زمن الطفولة.
وكشف المهيلب في حواره الرمضاني مع «»: أنه عاشق ومتيم في نادي الطائي.
الحديث مع الدكتور نايف هو حديث مع التفاصيل المنقوشة على جبال أجا بل حكاية إنسان ومكان في الشهر الفضيل على تقاسيم أوتار عقل مفكر يحتضن القرية والمدينة والزمان.
الجارات الماجدات
* متى كانت ساعة القدوم للدنيا، ليلاً أم نهاراً، وهل بكيت عند ولادتك؟
القدوم كان في أواخر شهر رمضان المبارك.. في الثمانينات الهجرية.. على ثرى قرية سابحة في التاريخ.. شامخة بجبالها ووديانها وعذوبة مائها (قرية عقدة) واسطة أجا.. أما البكاء عند الولادة فهذة سُنّة مطوية على جميع الخلق نبكي عند القدوم، ويُبكى علينا عند الفراق..
* من كانت قابلتك ومن الذي اختار لك اسمك؟
قابلتي كانت خالتي وما حولها من الجارات الماجدات.. ولم يكن اسم القابلة بهذا المصطلح موجودا.. أما اسمي فاختاره والدي رحمه الله.. على اسم صديقه (شخصية معروفة)
* كم ترتيبك بين إخوتك؟
أنا الأصغر.
* ماذا في ذهنك من شقاوة الطفولة ؟
الطفولة كانت مرحلة صعبة.. بين الدراسة في مدرسة الكرامة بعقدة، والمزرعة.. حرثا وحفرا وسقاية.. عطشا وريا.. وفي الليل على ضوء السراج.. نقرأ ونكتب.. السيل مصدر فرح.. وبعد ساعات يكون مصدر خوف وقلق.. بلغ مبلغه سنة الغرقة.
* هل احتفلت أسرتك بقدومك؟ ما نوع الاحتفال وما سببه؟
ليس في قاموس حياتنا الاحتفاء بالميلاد.. الجميع منهمك بالإنجاز فقط.. كان والدي ووالدتي رحمهما الله كريمين.. حسب الإمكانات المتاحة.. عليهما سحائب الرحمات.
* ما الذي تحتفظ به ذاكرتك من القرية، المدينة، الحي؟
نشأت في قرية عقدة.. ولم أخرج منها إلا بعد تخرجي من المعهد العلمي.. كان لنا منزلان إذا دخل الشتاء نزلنا بيت الطين، وإذا حلّ الصيف (القيظ) انتقلنا إلى الحير (المزرعة)، وكان يسمى الليوان مجصص.. وسقفه شجر العنب.. يحفه العنب والتفاح والرمان.. نذهب إلى المدرسة على أقدامنا وسط أصوات مكائن (البلاكستون) وسريان (جداول) المياه التي تتعانق هنا وهناك.. كانت المدرسة تضم نخبة من الأساتذة الفضلاء.. وأذكر عدة مسرحيات.. أشرف عليها معلم فلسطيني رحمه الله.. كان مسجدنا عامراً بالصلوات.. وفي رمضان العشر الأواخر.. كل بيت عليه شبة السوق (الحارة) من أجل تقديم قهوة قيام الليل.. فكانت ذكريات حافلة بالعطاء.. والبساطة.. والفطرة الخلاقة.. وفي مناسبات الأعياد.. تبدأ العرضة لمدة أربعة أيام مستمرة.. أما مناسبات الزواج.. فهناك وجبتان الأولى عصرا (عشاء مقدم لأهل القرية)، والثانية عشاء بعد المغرب للضيوف القادمين.. وذلك بهدف أن يتفرغ أهل الديرة لخدمة الضيوف وإكرامهم.. ومن ألعاب الطفولة (البير) بأعواد الأثل.. وكرة القدم..
* ماذا يعني الانتماء لعالم الكتابة ؟
الكتابة.. رسالة مرتبطة بالقراءة.. متوجة بالتأمل والاستنتاج.. الكتابة ليست ترفا.. أو تنفيسا.. بل هي فن برباط ممدود بين موهبة الكاتب وحاجة المجتمع.. وظل ممدود ذاتي للكاتب يعبر عن مشاعره وآماله وآلامه.. وتبقى الذاتية أقل درجات الكتابة.. وإن راقت فناً وثراءً لغوياً وأدبياً.. الكتابة هي مداد.. ومَدَد.. ووظيفة، ومسؤولية قبل ذلك وبعده.
* على ماذا استيقظ وعيك المبكر من الأحداث والمواقف والناس؟
الوعي للحياة.. غير الوعي لمتغيرات الحياة.. كانت وفاة الملك فيصل رحمه الله، من أبرز الأحداث المؤثرة في زمن الطفولة.. وكانت الإذاعة (الراديو) تنقل الأحداث بصوت مؤثر، ومن الصور المهمة قدوم الحجاج الأقارب من الحج والهدايا والصور التي يجلبونها لنا.. كانت مثاراً للاستغراب والدهشة.. ومن المواقف المفزعة سنة الغرقة.. حيث دخل السيل العرمرم منازلنا، وجرف الأخضر واليابس.. والغنم.. وبتنا في العراء ليالي متتالية.
* كيف كان أوّل يوم صيام في حياتك، وهل كان موسم صيف؟
رمضان شهر العزم والإرادة والصبر.. صمناه في الحر دون وجود وسائل التكييف ولا كهرباء.. والحمد لله.. الإنسان ابن بيئته.. كما يقول ابن خلدون.. وكان من ثقافة المجتمع تشجيع الصغار على الصيام في وقت مبكر.
* على ماذا كانت تتسحر الأسرة في ذلك الوقت؟
بالنسبة لطعام السحور كنا مثل غيرنا الأرز.. وغيره من الأكلات الشعبية مثل الهريس والمرقوق.. والقرصان.. والإفطار على الموجود من التمر والماء.. ويكون العشاء بعد التراويح.. وكانت هناك عادة قد تكون نادرة.. وهي أن ليلة الجمعة كل يقدم صحن عشاؤه من الرز واللحم أمام المسجد (تقليط).. رغبة في أن يكون ثوابها للأموات..
* أي فرق أو ميزة كنت تشعر أنك تمايز بها أقرانك؟
الميز النسبية بين البشر والأقران نسبية.. أراها تكاملية.. تحقق سنة التدافع في الأرض،
يقول الشاعر:
الناس للناس من بدو وحاضرة:: بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
* من تتذكر من زملاء الطفولة ؟
زملاء الطفولة كثيرون.. منهم من توفي مرحوما بإذن الله.. ومنهم من ينتظر.. وأخشى ذكر البعض ونسيان البعض الآخر.. كانت تجمعنا مدرسة الكرامة بعقدة.. ودهاليز سوق الحارة.. وأفراح الأعياد.. ومازلت مرتبطا مع بعضهم.. أرى في أخاديدهم جذوة الانتماء إلى المكان.. والذكريات المؤلمة والمضحكة أحيانا.
* لماذا يسكننا حنين لأيامنا الأولى في الحياة؟
الحنين إلى الماضي.. لي رأي فيه.. الحنين أمر غريزي.. ليس لأنه جميل.. بل لأنه جزء من الحياة والذكريات لا يمكن محوها أو إزالتها بوصفها جزءا من التكوين الاجتماعي والثقافي والقيمي.
* كيف تقضي يومك الرمضاني؟
رمضان كبقية الشهور.. لكن فضله عظيم.. يفترض أن يكون محطة للتأمل والمراجعات.. يراجع الإنسان نفسه.. ويتأمل في القرآن الكريم بعض الوقت.. محاولاً منافسة ذاته.
* ما هي المواقف العالقة بالذهن وعصيّة على النسيان؟
المواقف كثيرة.. ومتنوعة.. وأحمد الله سبحانه على نعمه.. وأشكره على فضله.. وفاة الوالدين.. كانت محطة مؤثرة.. حيث يبقى الرجل طفلاً حتى يُتوفى والداه.. مواقف.. تعلمتها للأسف بالتجربة كنت أود أعرفها بالتعلم.. ومن هنا يكون الوعي مُلفتاً لأن فاتورته باهظة.. لأنه جاء بالتجربة..
* هل تتابع برامج إذاعية أو تلفزيونية، وما هي؟
بالنسبة المتابعة للبرامج.. فأنا أميل إلى برامج (البودكاست) التي تتلاءم مع اهتمامي.. فهي نقلة نوعية دسمة.. يسبقها إعداد جيد.
* لماذا يتناقص عدد الأصدقاء كلما تقدم بنا العمر؟
تناقص الأصدقاء.. المشكلة ليس في تناقص الأصدقاء.. المشكلة في تحديد معايير الصديق.. والتفريق بينه وبين الزميل والقريب.. والجار! الصديق عملة نادرة في كل زمن وليس في زمننا هذا.. إن وجدتَ واحداً فعض عليه بالنواجذ.
* ما هي حكمتك الأثيرة؟ وبيت الشعر الذي تترنم به، واللون الذي تعشق؟
من الحِكم الملهمة قول ابن خلدون: الناس في السكينة سواء.. فإذا جاءت الفتن تباينوا.
* ماهي الألوان المحببة لك.. وهل لك ميول رياضية، وما فريقك المفضل؟
الألوان المحببة للنفس كثيرة.. منها الأخضر الذي يبعث على التفاؤل، وهو لون شعار وطني العزيز المملكة العربية السعودية..
واللون (الرمادي) لأن كثير الرماد من ألقاب حاتم الطائي.. كناية عن الكريم، وهو اللون الذي يتشح به نادينا العريق (نادي الطائي).