أندية بلا أبواب !
إذا وقفت متأملاً أمام عراقة «لافتات» أنديتنا الرياضية اليوم، وأنت متوشح شعار ناديك أو تحمل حقيبة التمرين على كتفك أو حتى لإيصال ابنك للتدريب ليكون قصة المجد القادمة، وجدت ثلاث كلمات عتيقة حفرت معانيها أصالة على مدار عقود ماضية ولا تزال.. رياضي، ثقافي، اجتماعي!
ربما أغرق المختصون والمهتمون هذا الشعار حديثًا في المقالات واللقاءات الرياضية، حرصًا على التذكير أو دعوة للتفعيل أو ربما إضاءة لأهمية معانيها الثلاثة التي وبفضل الرؤية الميمونة لمملكتنا الطموحة لاقت كل الدعم والاحتضان في قنوات عديدة وتحت مظلات مبدعة كثيرة. هذه الكلمات وأكثر ما تستند عليه حقيقة تأسيس هذه المنظومات المتفاعلة، وما تتسع له من تمكين للمهارات، تحسين للصحة العامة، توثيق للروابط الاجتماعية وتنمية للاقتصاد والاستثمار الإنساني.
حديثي في هذا المقام يخص ذات الكيان الحاضن، والكينونة التي رعت الشباب وصنعت الذكريات واحتوت الطاقات. فلربما كانت للأندية مساحة محددة تشغل حيزًا ماديًا في خرائط المدن، ولكنها في الحقيقة تشغل فضاء شاسعًا في نفوس مرتاديها. ففيها تتسع الفرص، وتنمو في جوفها الأحلام والطموحات، وتلعب دورًا جوهريًا في تحقيق التكامل والترابط، وإعادة تشكيل هوية المجتمع المحيط. فللأندية قيمة متعدية تتجاوز المباريات والانتصارات والانتماءات الملونة، يترجمها ظليل الدعم والحرص المدفوق من الدول والمنظمات الدولية، لما لها من أثر تنموي واقتصادي واجتماعي فعّال. مشروع «الاستثمار والتخصيص» مثلًا، الذي دشنه ولي العهد، تأكيدٌ إستراتيجي لقيمة الأندية الوطنية، وإعلان مهم عن مرحلة جديدة تحمل هذا الإرث الرياضي الطموح إلى ما هو أبعد. قفزة جريئة للمستقبل واستشراف للامحدود وإطلاق للإمكانات الكامنة والتي تستطيع هذه المنظومات المتناثرة على بسيطة المملكة تحقيقه على المدى الوطني والعالمي.
نادي كاستل دي سانغرو الإيطالي، قصة قصيرة ملهمة لنادٍ مغمور ترجم سحر المستديرة في بناء وتوحيد مجتمع قرية صغيرة نائية في مقاطعة لاكويلا، وإنعاش اقتصادها المحلي من العدم وتنويع الفرص الوظيفية في القطاع الرياضي والسياحي وتحقيق المستحيل في دخول حرم أندية الدرجة الثانية من قاع درجة الهواة. هذه المعجزة كان وراءها مستثمر مؤمن من أبناء القرية ومدرب حالم وفريق يشتعل طموحًا وإرادة لتحقيق المستحيل. قصة أخرى تلك التي تأتينا من شمال شرقي الجمهورية الهندية، تحديدًا من مدينة ايزاول في ولاية ميزورام، والتي حقق فريقها المجد بالفوز بالدوري الهندي الممتاز. هذا الفوز التاريخي كان له الأثر في بث روح الأمل في مجتمع القرية، وخط حلمًا ممكنًا لأطفالها وشبابها، وفتح أبوابًا مشرعة للاستثمار وتطوير البنى التحتية لكرة القدم والأكاديميات الرياضية فيها.
كثيرة هي حكايا الإلهام التي تجاوزت أسوار تلك الأندية وصنعت مجتمعات فخورة ونموًا اقتصاديًا مذهلًا حول العالم. مشاريع عدة وحملات ثقافية ومستدامة قادتها كبرى الأندية العالمية لتتّحد مع الإنسان وتطور المكان. لذلك يمكننا القول مجازًا أن الأندية الرياضية حاضنات اجتماعية واقتصادية بلا أبواب! فهي الثقافة والرياضة، والفن، والتربية، والتمكين. ومراكز تنموية حية توظف الرياضة معبرًا لصناعة الأثر والتغيير.