اتهام ترامب يرفع شعبيته بين الجمهوريين ويعزز
سواء كان توجيه التهمة إلى دونالد ترامب خطوة لا بد منها ـ كما يقول البعض ـ أو «حملة شعواء» بنظر البعض الآخر، فإن هذه السابقة التاريخية بالنسبة لرئيس أميركي تلقي ضوءا جديدا على الشقاقات الحزبية العميقة في الولايات المتحدة.
ومنذ إعلانه رسميا ترشحه للسباق الرئاسي، عاد ترامب إلى قلب الساحة السياسية، في استمرارية لدوره في الكشف عن الانقسامات في هذا البلد وتأجيجها في آن.
وفور إعلان توجيه قضاء نيويورك التهمة إليه في قضية دفع اموال للممثلة ستورمي دانيالز لمنع فضح علاقتها المزعومة معه، لجأ الجمهوريون إلى «تويتر» للتنديد بما وصفوه «اضطهاد سياسي» و«فضيحة مطلقة» و«يوم حزين لأميركا»، والتفوا صفا واحدا حول المرشح للرئاسة جاعلين منه ضحية في مقابلاتهم وتغريداتهم وبياناتهم.
حتى خصمه لنيل الترشيح الجمهوري رون ديسانتيس، الذي يطرح اسمه بشكل متزايد لانتخابات 2024، هب لمساعدة ترامب منددا بتهم «مخالفة لقيم أميركا».
ويبدو ان ترامب المفترض أن يمثل امام القضاء غدا لتلاوة الاتهامات عليه، بدأ يحصد ثمار هذه القضية حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة YouGov، أن أكثر من 50% من الجمهوريين مستعدون لدعم ترشيح الملياردير ترامب، خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، المزمع عقدها عام 2024.
وبحسب الاستطلاع، من بين جميع المرشحين عن الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية، يمكن أن يصوت 52% من مؤيدي الحزب لصالح ترامب، يليه حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، بنسبة دعم بلغت 21%، أما في المركز الثالث فجاءت الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولاينا نيكي هايلي بنسبة دعم بلغت 5%.
وفي سياق آخر، أظهر استطلاع آخر أجرته شركة YouGov، حول قرار هيئة المحلفين الأميركية توجيه أكثر من 30 تهمة لترامب، أن 43% يعتبرون أن قرار هيئة المحلفين مدفوع بتحيز سياسي، بينما اعتبر 42% أن هذا القرار نابع من رغبتهم في محاسبة ترامب. وأجري الاستطلاع في الفترة ما بين 30 و31 مارس الماضي.
اما الديموقراطيون فاكتفوا بالترحيب بفتور بإعلان محاكمة ترامب، مؤكدين أنه «لا أحد فوق القانون».
والرئيس الديموقراطي جو بايدن هو من القلائل الذين لزموا الصمت بهذا الصدد، ورغم انه لم يطلق رسميا بعد حملة ترشيحه لولاية ثانية، لكنه على يقين بأن أي تعليق يصدر عنه سيكون بمنزلة سلاح للملياردير الجمهوري يؤكد نظريته حول تسييس القضاء.
وقالت ويندي شيلر أستاذة العلوم السياسية في جامعة براون «الرأي العام ينظر اليوم إلى كل شيء من خلال الانقسامات السياسية».
وفيما سخر التقدميون من «دموع أنصار ترامب»، تشكلت مجموعة من مؤيدي الرئيس السابق منذ مساء الخميس أمام مقر إقامته الفخم في فلوريدا للتعبير عن غضبهم.
ورفع العديد من هؤلاء المؤيدين أعلاما كتب عليها «بايدن ليس رئيسي» و«ترامب ربح»، في مؤشر جديد إلى أن ملايين الأميركيين مازالوا مقتنعين بعد أكثر من سنتين من هزيمة ترامب، أن الانتخابات «سرقت» منه.
وقام ترامب نفسه بتأجيج المشاعر متهما الديموقراطيين على شبكته الاجتماعية «تروث سوشال» بأنهم «أعداء الرجال والنساء الكادحين في هذا البلد».
وكتب: «إنهم لا يستهدفونني أنا، بل يستهدفونكم أنتم، أنا في طريقهم لا غير». وتساهم كل هذه التصريحات في تدعيم نظرية حصول «طلاق وطني» التي يروج لها البعض في اليمين المتطرف مثل النائبة مارغوري تايلور غرين، في ظل انقسامات عميقة إلى حد يبدو من المستحيل أحيانا ردمها.
وتصاعدت نبرة النقاش حول مجموعة كاملة من المواضيع المطروحة راهنا مثل النوع الاجتماعي والإجهاض والديموقراطية، بحيث بات طرحها محرما في العديد من العائلات الأميركية.
حتى موضوع الأسلحة النارية أثار نقاشات عنيفة بين التقدميين والمحافظين في أروقة الكونغرس هذا الأسبوع بعد مجزرة جديدة مروعة في إحدى مدارس تينيسي.
مع ذلك، يحذر خبراء من المبالغة في تقييم أهمية الانقسامات. ويلفتون إلى أن المجتمع الأميركي شهد فترات من الانقسامات الأشد والأعمق، ذاكرين منها الحرب الأهلية والمواجهات حول الحقوق المدنية وصولا إلى حرب فيتنام.
والفرق برأي ويندي شيلر أن «البلد اليوم أكثر تنوعا والتزاما سياسيا مما كان عليه في أي وقت سابق»، مضيفة «حين يرتفع عدد أكبر من الأصوات، فهذا قد يعني أن المبادلات تصبح أكثر عنفا وصخبا». لكنها أكدت أنه «لا يمكن المقارنة بين هذا والوضع قبل خمسين عاما حين كان الصمت مفروضا على العديدين». وإن كان توجيه التهمة إلى ترامب يعطي انطباعا بأنه يعمق الشرخ بين الأميركيين، فهو برأي روبرت تاليس خبير الاستقطاب السياسي في جامعة فاندربيلت «هدية سياسية لمديري الحملات وواضعي الإستراتيجيات في الحزبين الكبيرين».
وأوضح الخبير لفرانس برس أن «توجيه التهمة يعطي الطرفين فرصة لتأجيج مشاعر الاستنكار بين المواطنين».