الانتخابات في أمريكا والتوتر والقلق في أوروبا
إذا كانت الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية في أوج حملاتها، فإن القلق من نتائجها كبير للغاية في الضفة الأخرى من الأطلسي، أي في القارة الأوروبية. حيث إن وصول ترمب سيغيّر الكثير من المعادلات السياسية والأمنية والإستراتيجية. لذا، أوروبا قلقة من رفع الغطاء الأمني والعسكري الذي منحته الولايات المتحدة للقارة العجوز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا أعطى مجالاً للحكومات الأوروبية للتركيز على التنمية والازدهار الاقتصادي، لكنها بالمقابل أصبحت معتمدة بشكل كامل على حلف الأطلسي وتحديداً على واشنطن في متطلبات أمنها.
صحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي يصل فيها دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ولكن من الواضح أن الظروف الإقليمية والدولية قد تغيّرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وخصوصاً مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهي ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة للدول الأوروبية. والجميع يعلم بأن واشنطن هي الداعم الأكبر، ولولاها لما استطاع الجيش الأوكراني الصمود أمام القوات الروسية. تعهد الرئيس السابق ترمب أنه سوف ينهي الصراع في فترة وجيزة، وهذا هو ما تريده أوروبا، ولكنها تخشى أن يكون ذلك على حسابها نظراً للعلاقات المتميزة على الصعيد الشخصي بين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين الرئيس الروسي.
إذاً، على أوروبا أن تعتمد على نفسها في حماية أمنها، وهذا هو المقترح الذي قدمته بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، التي اقترح رئيسها ماكرون أن يؤسس جيشاً أوروبياً. ولكن في الواقع، هذا الأمر يُشكل تحدياً صعباً للغاية. فعادة ما تختلف آراء الدول الأوربية ولا تكون موحدة في الأمور السياسية. لذلك، هناك البعض الذي يوافق على التوجهات العريضة للرئيس السابق ترمب ويرغب فعلياً في وصوله إلى الحكم، سواء لأسباب أيديولوجية أو توجهات سياسية تم التعبير عنها بوضوح من قبل التيار اليميني الموجود في أوروبا، والذي يمثله السيد فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري.
أوروبا قلقة وخائفة من أن الأسس التي قامت عليها القواعد الأمنية والاستراتيجية بعد الحرب العالمية الثانية قد تتغيّر بشكل عميق مع وصول إدارة جمهورية يتزعمها الرئيس السابق دونالد ترمب. وأن يتأثر الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والعلاقات الاقتصادية الوطيدة بين ضفتي الأطلسي بهذا التغير، وحتى شكل الحكم في الدول الأوروبية. كل ذلك يتوقع كثيرون أنه سيُصبح في مهب الريح، والغريب أن ثقة معظم الزعماء الأوروبيين بإمكانية إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن تبدو منعدمة أو تكاد.