البِرُّ المجالسة
قَرَنَ الرب اسمه بـ«واو المعية» مع الوالدين لعظم مكانتهما.. وفي الآية (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه) نجد المجرم لم يفتدِ بوالديه لأنه سيغضب ربه.. وقد لا نصل لدرجات البر التي وصلها السابقون؛ إذ كان الحسن البصري يقول «تَعَشَّ الْعَشَاءَ مَعَ أُمُّكِ تَقَرَّ بِهِ عَيْنُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَجَّةٍ تَحُجُّهَا تَطَوُّعًا».
وثمّة خمس مراتب للبر تعظيماً للولدين؛ هي:
أولاً: امتلاء القلب بمحبتهما، وحب النظر إليهما، والجلوس عندهما، والأدب في مجلسهما، والإنصات لكلامهما.
ثانياً: خدمتهما والقيام بقضاء حوائجهما.
ثالثاً: كثرة الدعاء لهما، وإخراج الصدقة براً بهما، وحصول الصلاح في القلب شكراً لتربيتهما.
رابعاً: حفظ غيبتهما، وعدم ذكر ما لا يحبان.
خامساً: وصل أهل ودّهما من الأهل والأصحاب.
وهذه المراتب واجبة على الابن الذكر ومقدمة على أولاده وزوجته وعمله، وعند الابنة عدم تقديم الوالدين على الزوج ولو كان فاسقاً، وإذا كان الزوج ذا خُلُق راضياً بخدمتها لوالديها فعليها ألا تأخذه بماء الحياء وتنساه حتى لو سمح لها بذلك.
أثناء تصفحي مواقع التواصل الاجتماعي شاهدت عجباً؛ فواحدة من المشاهير ممن يتابعها الملايين تقول لها إحداهن: أمي كبيرة وتكثر الشكوى فكيف أتصرف معها؟ فردت عليها: والدتك مشحونة بالطاقة السلبية فلا تجالسيها فتنتقل إليك، فقط اكتفي بالسلام عليها! ويأتي آخر يدعي «علم الأبراج» ليمنع أحد متابعيه من الجلوس مع والده؛ بحجة أن برجيهما لا يتفقان!
لا أعلم من أي عصر جاء هؤلاء، فمن عاشوا في الجاهلية كانوا بارين بوالديهم.. فإذا حمل أبناؤنا هذا الفكر الضال سنحتاج لدار للعجزة والمسنين في كل حي وليس في كل مدينة.. والداك اليوم في حاجتك وأنت غداً في حاجة أبنائك.. والكل في طلب رضى الرب ورضاه في رضاهما.. وسوف تمر الأيام بنا سريعة وسنجد أنفسنا وقد اتكأنا على عصا الزمن، عندها سنعض أيدينا ندماً وحسرة.
رحم الله من تُوفي من والدينا، وحفظ من بقي منهم، ورزقنا برهم ورضاهم.