Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الخليج

الجامعات بين الإنسان والبُنيان!

تُعدّ الجامعات القاطرة الرئيسية في تشكيل المجتمعات الحديثة، فهي ليست مجرد أماكن لتعليم الطلاب، بل تمثّل مراكز حيوية لإنتاج المعرفة ودفع عجلة التنمية في شتى المجالات. في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، يطرح تساؤل جوهري: ما هو الأهم بالنسبة للجامعات، الاستثمار في العنصر البشري أم في البُنيان؟ وهل يمكن الجمع بين العنصرين لتحقيق التوازن الذي يضمن جودة التعليم والبحث العلمي؟

مما لا شك فيه أن العنصر البشري يشكّل قلب العملية التعليمية والبحثية في الجامعات، حيث يشكّل الأساس الذي يعتمد عليه نجاح أي مؤسسة تعليمية. إن الاستثمار في تطوير الكوادر البشرية من أعضاء هيئة التدريس والطلاب يعد حجر الزاوية في التعليم العالي. الجامعات الرائدة عالميًا مثل جامعة هارفارد وفنلندا تتصدر التصنيفات ليس فقط بسبب بنيتها التحتية الحديثة، بل باستثمارها المكثف في تطوير قدرات العاملين فيها وتوفير بيئة أكاديمية تحفز على الابتكار والتفكير النقدي، إذ إن تطوير مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب، كما فعلت فنلندا، ليس خيارًا بل شرط أساسي لتحويل الأفكار إلى واقع ملموس.

لقد شهد قطاع التعليم في بلادنا دعمًا حكوميًا غير مسبوق في إطار رؤية السعودية 2030، حيث تم تخصيص ميزانية ضخمة لقطاع التعليم في ميزانية 2025، بلغت 201 مليار ريال. الرؤية السعودية تضع قطاع التعليم على رأس أولوياتها، من خلال الاستثمار الكبير في الإنسان عبر برامج «تنمية القدرات البشرية»، التي تهدف إلى إعداد جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل. هذا الاستثمار لا يقتصر على تطوير مهارات الأفراد فقط، بل يمتد إلى تحديث المناهج الدراسية وتوفير بيئة تعليمية تتماشى مع متطلبات العصر. تشير الدراسات الحديثة إلى أن البلدان التي تعطي الأولوية لقطاع التعليم تشهد نموًا اقتصاديًا مستدامًا بفضل زيادة مهارات العمل وتعزيز القدرة على الابتكار، كما أظهرت دراسة من البنك الدولي تأثير الاستثمار في التعليم على تعزيز الإنتاجية الوطنية.

على الرغم من أهمية العنصر البشري، لا يمكن إغفال دور المنشآت الجامعية في تحقيق أهداف التعليم العالي. فالبنية التحتية الحديثة، التي تشمل معامل ومختبرات متطورة، قاعات دراسية ذكية، ومراكز أبحاث مجهزة بأحدث التقنيات، تشكّل الأساس الذي يضمن جودة التعليم واستدامته. الجامعات التي تمتلك هذه المنشآت المتطورة تكون أكثر قدرة على توفير بيئة تعليمية تحفز الابتكار. مثال على ذلك، جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، حيث تقدم مختبرات متطورة تسهم في إنتاج أبحاث علمية تؤثر بشكل كبير في التقدم التكنولوجي والاقتصادي.

وتعكس تجربة سنغافورة نجاح الاستثمار في المنشآت الجامعية من خلال «الجامعات الذكية» التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. هذه المنشآت لم تقتصر على تحسين التعليم فحسب، بل أصبحت أيضًا جاذبة للكفاءات الأكاديمية العالمية، مما ساهم في تعزيز تنافسية الجامعات لديهم على المستوى الدولي.

كيف يمكن الجمع بين الاستثمار في العنصر البشري والمنشآت الجامعية؟ تشير التجارب الدولية إلى أن العنصرين لا يتعارضان بل يتكاملان. فالبحث العلمي الذي يُعدّ من أبرز مجالات التكامل بين العنصرين يثبت أن الجامعات التي تجمع بين تمويل البحث العلمي وتطوير الكوادر البشرية تحقق نتائج مستدامة. على سبيل المثال، جامعة ميونيخ التقنية في ألمانيا تركز على إنشاء مراكز أبحاث متطورة، وفي ذات الوقت تدعم برامج تطوير الباحثين الشباب، ما يساهم في إنتاج بحوث تطبيقية تسهم في تقدم الاقتصاد الوطني. ولتحقيق هذا التكامل بين العنصر البشري والمنشآت الجامعية، تكمن أهمية تبني إستراتيجيات توازن بين تطوير الكوادر البشرية والبنية التحتية الجامعية. وتخصيص الميزانيات بشكل متوازن بحيث تضمن الجامعات تمويل برامج تطوير الكوادر الأكاديمية جنبًا إلى جنب مع بناء المنشآت والمختبرات والتقنيات الحديثة. كما ينبغي على الجامعات أن تعزز وتشجع الابتكار من خلال توفير بيئات تعليمية تجمع بين التقنيات الحديثة وأساليب التعليم الإبداعية.

وفي الختام، حري بالجامعات السعودية أن توازن بين الاستثمار في الإنسان والبنيان، لتكونا معًا أساسًا لتحقيق التفوق الأكاديمي والبحثي وتعزيز دورها في التنمية المستدامة. الجامعات التي تحقق النجاح المستدام هي تلك التي تدرك أن التفوق الأكاديمي والبحثي لا يتحقق إلا من خلال التكامل الفعّال بين استثمارها في العنصر البشري والبنية التحتية. الجامعات التي توازن بين هذين العنصرين ليست فقط قادرة على توفير بيئة تعليمية متطورة، بل هي محرك رئيسي للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، ومصدر للابتكار والنمو في ظل تحديات القرن الحادي والعشرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *