«الحركات المسيّسة».. ماذا تريد وإلى أين وصلت ؟!
هذا الداء ليس جديداً بل ظل يلازم الحاقدين على المملكة منذ عقود، وتجدّد في الأيام القليلة الماضية عبر مواقفهم المتخبطة إزاء ما يجري في قطاع غزة بين «حماس» وإسرائيل منذ 7 أكتوبر الجاري. ومن المؤسف أنه ليس داء الحقد، والحسد، والأيديولوجيا المتخلفة وحده، بل يضاف إليه التجاهل المتعمد للمواقف السعودية الثابتة، ومواقف قادتها وشعبها، وتاريخها السياسي، وفلسفتها في الحكم منذ نشأتها.
يعتقد هؤلاء الحاقدون أن خلط الأوراق بعد أية مواجهة فلسطينية إسرائيلية يمكن أن يكون فرصة سانحة لاستهداف السعودية ومحاولة تشويه صورتها عبر شن الحملات الكاذبة المغرضة والرخيصة، بدعوى أن هجوم 7 أكتوبر ضرورة مُلحة لوقف مفاوضات السلام، ورفض أية مساعٍ لحلحلة الأزمة.
وتلك مساعٍ قرنها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بشروط واضحة مرات عدة؛ أبرزها أن تقدّم إسرائيل تنازلات من شأنها تسهيل حياة الفلسطينيين، والتقدّم باتجاه حل الدولتين، الذي نادت به مبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية.
لماذا كل هذا الصراخ والعويل؟ الإجابة ببساطة، لأن من يصرخون ويكيلون التهم والسباب هم النسخ «الإخوانية» المتوالدة من بعضها بمسميات عدة. وهو أمر مكشوف لا ينكره إلا من بعينه رَمَدٌ.
وما دام «الإخوان» مستمرين في محاولات التأليب على السعودية وشن الغارات عليها وتحميلها كل مشكلة، فليعلموا أن السعوديين قادرون على مواجهة تحرشاتهم وفبركاتهم، وتفنيد أباطيلهم وتخرصاتهم.
لا أحد يتردد في إدانة ورفض ردة الفعل الإسرائيلية العقابية الجماعية تجاه أهالي غزة، لكن هناك «حركات مسيَّسة» تريد خطف الشارع العربي إلى «جحيم» الأزمات والمغامرات «غير المحسوبة»، لفتح صفحات جديدة للخراب والمزيد من الخسائر والقتل، عبر رفع شعارات الاستعطاف و«التثوير الشعبوي».
الأكيد أن المملكة ثابتة على مواقفها تجاه القضية العربية المركزية ووفائها للشعب الفلسطيني، وملتزمة تجاه المقدسات الإسلامية، والأراضي الفلسطينية. وهو موقف لن تغيره مصالح آنية، ولا مكاسب سياسية رخيصة. وستظل السعودية متمسكة بالبنود التي حدّدتها مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت لإحلال السلام في مقابل إعادة الأراضي العربية إلى ما كانت عليه في سنة 1967.
السعودية ملتزمة بموقف واحد ثابت تجاه السلام في الشرق الأوسط منذ لقاء مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بالرئيس الأمريكي ايزنهاور عقب الحرب العالمية الثانية. وهو موقف يجسّده التنديد (كل أسبوع) في جلسات مجلس الوزراء السعودي بالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وهو ثبات قياسي على موقف سياسي ودبلوماسي قلّ نظيره في بلدان العالم؛ لأن المسألة بالنسبة للسعوديين مبدأ، وليست مصلحةً ماديةً، أو كسباً سياسياً رخيصاً. ولا بد من التذكير بأن السعودية كانت أولى الدول دعوةً وحرصاً على تسوية الشقاق بين غزة ورام الله، وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل الذي لا يزال منقسماً، وقسَمهم جميعاً أمام الكعبة المشرفة، لإصلاح ما بينهم والتركيز على قضيتهم. وعلى رغم جلال المشهد، ونبل المقصد، وقداسة المكان، سارعت حماس إلى خرق الاتفاق، واستدامة الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم، ما أدى إلى تدمير إنسان غزة.
لم تَبْنِ المملكةُ سياساتِها تجاه جماعات الإسلام السياسي أمثال «الإخوان» و«حزب الله اللبناني» على تقارير، أو وشايات؛ بل بعدما عانت شرور وإجرام مخططات تلك الجماعات. ودفعت ثمن تلك الشرور دماءً زكيةً، وخراباً كبيراً، واستهدافاً لشعبها وأمنها واقتصادها الكبير، وبنيتها الأساسية.
«الإخوان» وزمرتهم وأعوانهم ومن على شاكلتهم من العصابات المسلحة (سنّية وشيعية) يعتقدون أن للسعوديين «ذاكرةً سمكيةً»، لا تعي الدروس، ولا تتعظ بالعبر من الماضي. يريدون من الرياض أن تقفز فوق تلك التقاطعات لتتخذ القرارات التي توافق سياساتهم التخريبية، وإلا فليس أمامها سوى التخوين، والشتائم، والطعن في الصدر والظهر. ويجب أن لا ننسى أن ثَباتَ السياسة السعودية على مبادئها ومواقفها أحبط محاولات «الإخوان»، وما انبثق عنهم من كيانات إرهابية وواجهات تنظيمية، لاختراق الداخل السعودي.
الأكيد أن الأزمات فرصة جديدة لكشف النيات وما في قلوب الخلايا النائمة والطابور الخامس من حقد وكراهية تجاه السعودية، وفي الأيام الماضية تكشفت تلك الوجوه القبيحة، ولكن ذاكرة السعوديين «يقظة» وسيلقنون من يتجاوز على بلادهم الدروس مجدداً، فسجل السعودية ومواقفها ناصعة البياض، وأنصع من أن تحاول رشقها أو تشويهها عبارات رخيصة أو شعارات «قومجية» أو «إخونجية» بالية.