الحكومة الموازية
هذا هو الشكل الدستوري، المُشترط قانوناً لمزاولة المهمات السياسية للحكومات دستورياً، في كثير من دول العالم. إلا أنه، في كثير من دول العالم، هناك حكومات موازية تمارس السلطة السياسية الفعلية، خارج القانون والدستور. غير الحكومات الموازية في الدول الديمقراطية، التي يطلق عليها حكومات الظل (Shadow Government)، وهي حكومات محتملة تشكلها المعارضة مستعدة ومهيأة لمزاولة السلطة، حال تمكنها دستورياً من ذلك، عقب فرز نتيجة الانتخابات العامة، سواءً كانت رئاسية أم تشريعية.
ما يهمنا، في الصدد، ذلك النوع الأول من الحكومات الموازية، التي تحكم في كثير من الدول من وراء الستار، وتشكل في حقيقة الأمر الحكومات التي تمارس السلطة الفعلية، بعيداً عن إجراءات وشكليات تقلد المناصب العامة، السياسية والدستورية والقانونية المرعية. هذا النوع من الحكومات ينتشر في كثير من دول العالم الثالث، وهو ليس ببعيد تماماً عن كثير من أشكال الحكومات في دول العالم الكبرى، فتستخدمها تلك الدول لخدمة أهداف سياستها الخارجية، بعيداً عن أراضيها، حيث داخلياً، تحكمها نصوص دستورية صارمة ومواد قانونية ملزمة.
إشكالية، أو لنقل: متلازمة الحكومة الموازية، تنشأ الحاجة إليها، عندما يكون هناك خلل حقيقي، سياسي ودستوري وقانوني، في طبيعة السلطة السياسية، وطرق ووسائل ممارستها. عندما تكون هناك أزمة في شرعية السلطة نفسها، بين الولاء للكيان السياسي (الدولة)، أم لمؤسسات السلطات ورموزها. كذلك، عندما تعجز الحكومات الدستورية عن القيام بأعباء مسؤولياتها، نتيجة للتعقيدات القانونية والدستورية لممارسة السلطة، نفسها.. ويكون الحل باللجوء إلى سلوكيات وممارسات خارج نطاق الدستور والقانون، بدعوى الحفاظ على الأمن والاستقرار، والتصدي للمؤامرات، سواء من الداخل أو الخارج، للحفاظ على الأمن القومي، عن طريق تكريس النظام السياسي القائم، وليس بالضرورة أمن الدولة نفسها، حيث أمن الدولة، في هذه الحالة، هو: أمن نظامها السياسي القائم.
لذا: في كثير من دول العالم، الثالث بالذات: هذه الأيام، تتكون تنظيمات غير نظامية مسلحة، تأخذ شكل المليشيات المقاتلة.. أو مجموعات عصابية، تمارس أعمالاً مدنية، تمتلك أموالاً وتسهيلات لوجستية تتخلل المجتمعات، وتمتد مصالحها الاقتصادية، لحساب رموز النظام القائم، تعرف بـ«الأوليجارك»، لخارج نطاق الدولة، نفسها، بعيداً عن رقابة مؤسسات الدولة الرسمية، ومرجعية ما يمثلها في الخارج، لتقوم بالأعمال «القذرة»، التي تتفاوت من ممارسات غسل الأموال لتعقب المعارضين السياسيين، ورعاية مصالح رموز السلطة الأمنية والاقتصادية، في الخارج. هذا بالإضافة لإنشاء شبكات من وسائل الدعاية «البروباغاندا»، مستهدفةً الرأي العام في الداخل والخارج، بعيداً عن الوسائل الرقابية والمهنية المعمول بها، حيث تحكم ممارسة العمل الصحفي قوانين محلية وعالمية.
هذه الأذرع الأمنية والاقتصادية والدعائية، تستخدمها كثير من أنظمة الحكم القائمة، في كثير من دول العالم الثالث، هذه الأيام، من أجل هدف استراتيجي أول (الحفاظ على أركان ودعائم النظام القائم)، تُخصص لها الموارد السخية، من أجل بقاء واستمرار رموز النظام القائم ورعاية مصالحهم، التي تشكل في حقيقة الأمر الحكومات الموازية، لتمارس، بالتبعية: السلطة الحقيقية (الفاعلة والمطلقة)، في تلك المجتمعات.
تتفاوت مستويات تغلغل وتغول الحكومات الموازية في أروقة وكواليس مؤسسات الحكم الدستورية، من دولة وأخرى، لكن الحقيقة، تظل قائمة، أن ما يحكم الكثير من دول العالم الثالث، بالذات، هي صيغة الحكومات الموازية، لا صيغة الحكومات الدستورية، المعروفة رموزها للجمهور، شخوصاً ووظيفةً.