الخروف الإلكتروني !
«الخروف الإلكتروني»، يعد ظاهرة عالمية تحدث في بلدان العالم كافة، لكن ما يجعلها منبوذة محلياً هي طبيعة المجتمع المحافظ المتمسك بالتقاليد والأعراف.
وباعتراف بعض شهيرات منصات التواصل الاجتماعي، فإن الظاهرة تتزايد لسهولة الحصول على المال، في ظل غياب الأسرة والرقابة على المحتوى الهابط، وأصبح التنافس في هذه الساحة ساخناً في بث مباشر على التطبيقات المرئية، لكسب «الخروف الإلكتروني» الذي يهدي لهن السيارة الفارهة، ويوفر التسوق الفاخر والدخل الشهري العالي بلا عناء عمل ووظيفة.
«خرفنة» بالصوت والصورة
للاقتراب أكثر من الملف، تحدثت «»، مع بعض الفتيات عبر خدمة «الشات» في تطبيقات «تويتر» و«سناب شات» و«تيك توك» ممن استجبن لأسئلة الصحيفة حول الظاهرة، فيما رفض كثير منهن التجاوب خوفاً من المساءلة القانونية وامتنعن مباشرة عن الحديث. تقول ريم (24 عاماً اسمها مستعار) إن ما نسميهم «الخرفان» من بعض الشباب وكبار السن اعتبرهم لعبة جميلة أستمتع بها كل يوم في سناب شات أو في تويتر، وأشعر بالرضى خصوصاً أنني أكسب المال مقابل صورة أو الحديث معهم لساعات.
وتضيف: أنها وجدت في مواقع التواصل الاجتماعي دخلاً مالياً عن طريق الحوالات المالية من هذه الفئة بلا جهد أو عناء الخروج من المنزل. ولم تُخفِ ريم سراً أن لديها قائمة بـ«الخرفان» ليست قليلة على «السناب شات»؛ على حدِّ قولها.
أما هند التي لم تكشف عن عمرها، فترى أن من السهل الإيقاع بشاب أو رجل كبير السن عن طريق «تويتر» و«سناب شات» بحسب تجربتها، ومن ثم الاستفادة منه في الحصول على المال بموافقته وإرادته «لا ينتظر هؤلاء الرجال الارتباط بنا، ولكنهم يعتقدون أننا نبادلهم الإعجاب، يقوم الكثير منهم بتقديم الهدايا والمال حتى ينال رضانا»!
مراهقات يصطدن «الخاروفي»!
تضيف هند: أن مصطلح «الخرفنة» ليس غريباً الآن، وتحول حالياً نحو «خاروفي»، وبات شائعاً بين كثير من أوساط المراهقات اللواتي يحققن من وراء ذلك بعض طلباتهن اليومية من شحن هاتف وشراء حقائب ومجوهرات وهدايا مختلفة، وأصبح المجال مفتوحاً على العام وليس على الخاص كما يعتقد البعض.
من جانبها، قالت من أطلقت على نفسها «ملكة السناب» (29 عاماً): إن الفتاة المحترفة في هذا المجال يجب عليها أن تكون على قدر كبير من الذكاء، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الفتيات فشلن في البداية، لكنهن اكتسبن الخبرة في ما بعد، وهذا يظهر في مستوى الرفاهية المفاجئة التي تظهر بها للناس.
وأضافت أنها تداوم كثيراً على (مساحات تويتر) لتزيد غلّتها من مال «الخرفان» على وصفها، عبر التلاعب بالصوت الناعم ومدح «الخروف» وتمثيل الإعجاب المتبادل.
شاعرات.. لكن محتالات
شهد (34 عاماً) تقول: «المساحات الصوتية» في «تويتر» زادت من عمليات «الخرفنة» على العكس من «سناب شات» الذي يطلب من خلاله مقطع فيديو أو صورة مباشرة، ويصعّب مهمتنا في عملية الطلبات، ولكن في «مساحات تويتر» نحضر كشاعرة ونقرأ الشعر من قصائد أخرى عبر «قوقل» أو صفحات الشعر والمشاركات العامة، وتبدأ عمليات الاصطياد من خلال الرسائل الخاصة، وتنتقل بعدها نحو التحويلات المالية بعد فترة وجيزة كنوع من الإعجاب.
سنة سجناً ونصف مليون غرامة
كشف محامٍ ومستشار قانوني لـ«»، أن الفتيات اللاتي يقمن بخداع الشبان للحصول على المال في حالة البلاغ يطبق ضدهن النظام الخاص بالجرائم المعلوماتية؛ الذي تصل عقوبته إلى ٥٠٠ ألف ريال والسجن لمدة سنة.
وقال المحامي سلمان الرمالي: إن الفتاة التي تمارس الاحتيال ضد الشباب أو كبار السن للحصول على بطاقات شحن الاتصالات أو المال لن تكون في مأمن من عقوبات وغرامات نظام الجرائم المعلوماتية، فالكذب والتدليس للحصول على منافع وإن قلّت قيمتها تكون لهما عقوبات لا يدركها الكثير من الفتيات، وذلك في حال تقدم الشاب الذي تعرض للكذب والخداع بشكوى ينظر لها القاضي إذا استُخدم الإنترنت في الابتزاز أو التدليس؛ سواء في منصات التواصل الاجتماعي أو رسائل «واتساب».
لماذا ظهر هؤلاء؟
تعزو الدراسات أسباب ظهور «الخرفان الإلكترونية» إلى الفراغ والوحدة، فمن يعانون من الفراغ أكثر عرضة للوقوع في علاقات الحب والغزل التي تتحول لما يسمى «الخروف الإلكتروني» والتعلق بأي شخص وهمي يمنحه العاطفة والاهتمام، ويملأ له فراغه. ومن الأسباب، أيضاً، قلة الثقة بالنفس؛ ما يدعو الشخص إلى علاقات العواطف الإلكترونية، كونه يختبئ خلف الشاشة، ويتخلَّص من اللقاء المباشر مع الطرف الآخر.
حب مصطنع وكلام معسول
تحدّق مخاطر عدة بعشاق الفضاء الإلكتروني، منها وقوعهم في «حبال النصب» إذ يتكلم كل شخص كما يحلو له، وبالطريقة التي يريدها، ويُظهِر صورة مُشرقة عن نفسه، قد لا تمتّ لحقيقته بشيء، ويُعلِن ما يريد ويُخفي ما يريد، كما تتيح منصات التواصل للعلاقات جوّاً خالياً من أي قيد أو ضابط أو رقيب؛ ما يجعل الانحراف جاهزاً، إلى جانب تطرّق العشّاق الافتراضيون إلى ما يرفضه الدين والأخلاق والمجتمع. ومن المخاطر أن أي رجلٍ لا يستطيع التأكد من صدق الطرف الآخر، فقد يكون واقعاً تحت حبائل الحب المصطنع والكلام المعسول، فلا توجد مواقف تجمع الطرفين ولا إمكانية لملاحظة لغة الجسد التي تساعد كثيراً على كشف الشخص، ويصعب في علاقات التواصل الإلكتروني اكتشاف مدى تصنّع الطرف الآخر في ما يتكلم ويتصرف، أو مدى قناعته بالأفكار التي يطرحها، فالمواقف الواقعية هي التي تكشف حقيقة الشخص.
الحل في القوانين الرادعة
اتفق كلٌّ من عبدالله نايف وراشد الشمري ونواف رضيان، على أن سنَّ قوانين وضوابط رادعة ستحد من هذه الممارسات؛ التي باتت تشوه صورة المجتمع، خصوصاً أن الكثير من مشهورات منصات التواصل الاجتماعي يتعمدن إظهار أسماء عائلاتهن أو الجهات التي ينتمين لها، ما يتسبب بضرر وحرج كبير للكثيرين.
وأكدوا أن «بثوث التيك توك» مثلاً تلقى رواجاً كبيراً من فئة المراهقين؛ الشباب والفتيات، ما يجعلها بيئة خطرة على أخلاقهم في المقام الأول نظراً لنوع المحتوى المنشور؛ الأمر الذي يتطلب ضوابط ورقابة صارمة وعقاباً أشد.
وأضافوا أن موضوع «الخرفنة» بات شائعاً محلياً وعالمياً مع اختلاف المسميات، والكثير من الشباب حتى ممن تجاوزوا الـ40 عاماً يغدقون بالأموال على مشهورات التواصل الاجتماعي.
حذارِ من المقاطع «الإيحائية»
أكدت النيابة العامة، أنَّ أي رسائل أو صور أو مقاطع مرئية تنطوي على مدلول جنسي تجاه شخص آخر تمس عرضه أو تخدش حياءه باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة تقنية في هذا الشأن، تُعد جريمة تحرّش.
وأوضحت أن مُرتكِب تلك الجريمة يعاقب بالسجن مدة تصل إلى سنتين، وغرامة مالية تصل إلى 100 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ليس من رأى كمن سمع
في علاقة «الخراف الإلكترونية» أنت تتخيَّل حالة أو مشاعر الطرف الآخر من خلال طريقة كتابته، وقد يكون هذا غير مطابق للواقع، فقد ترسم تخيلات له فيما حقيقته بعيدة تماماً عن هذه التخيلات، وغالباً ما يُصاب عشاق «الصوت الإلكتروني» بخيبة أمل، عندما يلتقون على أرض الواقع، فالصورة التي يرسمها الشخص لنفسه على مواقع التواصل، غالباً ما تكون غير مُطابقة للحقيقة، لدرجة يشعرون فيها أنَّهم أمام شخص جديد مختلف تماماً عن الذي كانوا يُحادثونه خلف الشاشة. وكثيراً ما تكون علاقات «الخرفان الإلكترونية» لغايات مشبوهة، وقد يجد المرء نفسه ضحية للابتزاز الجسدي أو المادي أو المعنوي، إذ يمتلئ عالم التواصل اليوم بالكثير من قصص النصب والاحتيال والابتزاز.
انتكاسة وعداء للنساء
لا تتمتع علاقات التواصل الرقمي أو الإلكتروني بالاستقرار، إذ يستطيع الشخص إنهاء العلاقة والاختفاء بسهولة بعد قيامه بتعطيل حسابه الإلكتروني، أو حظر الطرف الآخر، أو قد تحدث مشكلة تقنية أو انقطاع إنترنت وتنتهي قصة «الخروف».
وتؤثِّر العلاقات الإلكترونية في الشخص، إذ تجعله يفقد مهارة التواصل الاجتماعي الحقيقي، والتفاعل مع الناس تفاعلاً حياً ومباشراً، ويدخل في عزلة اجتماعية، ليغرق أكثر في عالمه الافتراضي، وكثيراً ما ينتج عن هذه التصرفات الكذب والخداع وإصابة الشخص بالخذلان والانتكاسات؛ ما يُفقِده الثقة بالآخرين، ويصبح لديه رد فعل سلبي تجاه النساء.
خطر على الشباب
بعد أن أصبحت الهواتف المحمولة في أيدي الجميع؛ كباراً وصغاراً، ووسائل التواصل الاجتماعي متاحة للجميع، باتت علاقات التواصل الإلكترونية تُشكل خطراً حقيقياً على المراهقين الذين تحكمهم عواطفهم الجيّاشة، ولا يمتلكون الوعي للحذر من العلاقات الخادعة والمشبوهة.