السعودية.. تعيد سورية عربياً
وعلى مدار السنوات الماضية، استعانت الأمم المتحدة بالعديد من المبعوثين الدوليين، من الدبلوماسي العريق كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي مروراً بـ دي ميستورا وصولاً إلى غير بيدرسون، وكل هؤلاء مروا على الأزمة السورية دون أي أفق للحل، بل مزيد من التعقيد والغموض في مسار هذا البلد العريق.
ويوماً بعد يوم تحولت سورية إلى ساحة من التدخلات الإقليمية والدولية، وأصبحت أيضاً عبئاً على دول المنطقة والجوار على المستوى الأمني والاقتصادي، بل ضاقت العديد من الدول الأوروبية بالحالة السورية نتيجة التكاليف الاقتصادية على هذه الدول من استقبال اللاجئين إلى دعم المنظمات الإنسانية والدولية في الداخل السوري، وبالفعل تحولت الأزمة إلى فزاعة على المستوى الدولي، وكان لا بد من شجاعة سياسية للمصارحة والتعامل بواقعية مع الحالة السورية بعيداً عن العبارات الدبلوماسية المخادعة والرنانة.
ومع نشوب الأزمة الأوكرانية الروسية والتجاذبات الدولية حول الحرب، انخرطت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في صراع يبدو أنه سيأخذ وقتاً طويلاً في حيز الصراعات الدولية، وتحولت كل الملفات الشرق أوسطية إلى «ديكور» في أروقة الأمم المتحدة وإلى سردية مملة في وزارات الخارجية للدول الغربية، ومن بينها بطبيعة الحال الأزمة السورية التي باتت أزمة منفرة للدول الغربية.
وسط عقم التوصل إلى حل سياسي، وأمام هذا المشهد الدولي والإقليمي للوضع السوري وأمام المخاوف من حالة جمود في سورية تؤدي إلى خلل في منظومة الأمن الإقليمي، تقدمت المملكة العربية السعودية بعد جمود طويل في هذا الملف من أجل إعادة تحريك الملف السوري إلى المستوى الأول، وبالفعل في غضون عدة أيام نجحت السعودية في إعادة الاعتبار للملف السوري على المستوى العربي والدولي، ففي أسبوع واحد حدثت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدة، وزيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق واللقاء مع الرئيس بشار الأسد للمرة الأولى منذ بداية الأزمة في عام 2011، ما يعتبر نقلة سياسية نوعية في التفكير السعودي بهذا الملف المعقد.
هذه النقلة السعودية للملف السوري أعادت التفكير لدى العديد من الدول بالتحولات السياسية على مستوى المنطقة، وإمكانية تحقيق هذه التحولات وتحويلها إلى مكتسبات إيجابية تهدف إلى صناعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وبطبيعة الحال سورية في قلب هذه التحولات نظراً إلى موقعها الجغرافي ودورها العربي والإقليمي أيضاً، ومن هنا يمكن قراءة التحولات السعودية حول الملف السوري بكل براغماتية إلى جانب الحرص على مصلحة الشعب السوري.
صحيح أن الحركة السعودية الدبلوماسية كانت سريعة في الآونة الأخيرة حيال الأوضاع في سورية، إلا أنها ليست وليدة اللحظة وليست نابعة من لحظة معينة، وإنما نتيجة قراءة سياسية لما مرت به الأزمة السورية على مدار 6 سنوات، على الأقل بعد مؤتمري الرياض 1 و2، إذ لم تتقدم أي من المسارات السياسية أو العسكرية للحل في سورية، وهذا سبب كافٍ لتكون السعودية في مقدمة قيادة الحل.
ولعل البيان السعودي الأخير بعد لقاء وزيري الخارجية السعودي والسوري كفيل بشرح خارطة الطريق السعودية للحل في سورية، إذ تسعى المملكة إلى جمع السوريين مرة أخرى على حل سياسي يطوي صفحة الماضي على أسس مقبولة من كل السوريين، وألا تتحول سورية إلى دولة ممر للأجندات السياسية، وممر لقوى الإرهاب والشر، ولعل النقاط الواردة في بيان الخارجية السعودية محل إجماع العديد من قوى المعارضة السورية، وإن لم تعلن ذلك، وهي ليست بعيدة عن القرار 2254.
كانت الخطوة السعودية ضرورية نحو سورية، وجاءت في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة العربية من حالة الفوضى وتصدع الدولة، وبالتالي رأب الصدع السوري من شأنه أن يمنع المزيد من التصدعات الأمنية في المنطقة، ولذلك فإن التوجه إلى سورية سيكون له بعد عربي عميق على المستويات كافة، ولن يكون هذا الاقتراب من سورية ضد مصالح الشعب السوري، وهذا هو الأهم.