الشؤون الإسلامية عممت خطبة الجمعة بعنوان حب

- المحافظة على نعمة الأمن والأمان باجتماع الكلمة ووحدة الصف والائتلاف والاجتماع ونبذ الفرقة والخصام
- الوطن نعمة عظيمة ومنحة جليلة فهو أنس القلب وبهجة النفس وطمأنينة الفؤاد
اسامة ابو السعود
حملت خطبة الجمعه المذاعة والموزعة على مختلف مساجد البلاد العديد من المضامين الوطنية المهمة، حيث جاءت بعنوان «حب الأوطان يفيض بالوجدان».
واوضحت الخطبة التي أعدتها لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة بقطاع المساجد بوزارة الشؤون الإسلامية ان الوطن نعمة عظيمة ومنحة جليلة، فقد فطر الله الخلق على محبة أوطانهم والحنين إلى مواطئ أقدامهم، فالوطن هو أنس القلب وبهجة النفس وطمأنينة الفؤاد، وهو موئل الأحبة ومراتع الصبا وفيض الوجدان عند بني الإنسان.
وشددت الخطبة على أن من لوازم حب الأوطان: المحافظة على نعمة الأمن والأمان، باجتماع الكلمة ووحدة الصف والائتلاف والاجتماع ونبذ الفرقة والخصام.
وفيما يلي تفاصيل الخطبة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [آل عمران:102]، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)[النساء:1]، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) [الأحزاب:7071].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون:
إن الوطن نعمة عظيمة ومنحة جليلة، فقد فطر الله الخلق على محبة أوطانهم والحنين إلى مواطئ أقدامهم، فالوطن هو أنس القلب وبهجة النفس وطمأنينة الفؤاد، وهو موئل الأحبة ومراتع الصبا وفيض الوجدان عند بني الإنسان، وقد قرن المولى جل وعلا في القرآن بين حب الوطن وحب النفس، كما في قوله تعالى:(ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من ديركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا)[النساء: 66]، ولذا لما أخرج صلى الله عليه وسلم من مكة شريدا طريدا قال هذه الكلمات التي تنبئ عن كلم في القلب لا يندمل، فعن عبد الله بن عدي بن حمراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة موضع بمكة فقال: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، ولما كان حب الوطن هاجسا في قلب كل إنسان، سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يحبب إليه المدينة كما حبب إليه مكة، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد….» [رواه البخاري ومسلم]. فاستجاب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فحبب إليه المدينة، قال أنس رضي الله عنه كما عند البخاري: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها»، وفي لفظ (حركها من حبها). قال ابن حجر رحمه الله (وفي الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه).
حبب أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
أيها المسلمون:
إن الهجرة لما كانت شاقة على النفوس، عسيرة على القلوب، لمفارقة المعتاد والمألوف: رتب الله عليها جزيل الأجر والثواب، وجليل الأعطيات والهبات، قال الله تعالى:(فالذين هاجروا وأخرجوا من ديرهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنت تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) [آل عمران: 195]، قال ابن كثير رحمه الله: (تركوا دار الشرك وأتوا إلى دار الإيمان، وفارقوا الأحباب والإخوان والخلان والجيران…إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده).
عن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتذر أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال، فعصاه فجاهد»، فقال رسول الله: «فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة، قال: وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابة كان حقا على الله أن يدخله الجنة» [رواه أحمد والنسائي واللفظ له وصححه الألباني].
والمقصود أن المهاجر يصير في بلاد الغربة كالمقيد لا يدور إلا في بيته، ولا يخالطه إلا بعض معارفه، فهو كالفرس في طوله، والطول هو الحبل الذى يشد أحد طرفيه في وتد والطرف الآخر في يد الفرس، فترعى الفرس حول طولها ولا تتعداه إلى غيره، وكذا الغريب، بخلاف أهل البلاد في بلادهم فإنهم مبسوطون لا ضيق عليهم، فأحدهم كالفرس المرسل.
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
أيها المباركون:
إن من لوازم حب الأوطان: المحافظة على نعمة الأمن والأمان، باجتماع الكلمة ووحدة الصف والائتلاف، والاجتماع ونبذ الفرقة والخصام، لذا فقد امتن الله على قريش بحصول هذه النعمة التي هي أصل النعم بعد الإسلام فقال جل من قائل كريم:(أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون )[القصص: 57]. فالحياة الكريمة يقوم ساعدها على الأمن والأمان، وتقوى بها روابط الألفة والمودة، وأواصر الصلة والمحبة، فيا لها من نعمة لا يعرف قدرها إلا من حرمها، فعن سلمة بن عبيد الله بن محصن الأنصاري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده طعام يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» [رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني].
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم نلقاه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فإنه من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، وكفى بالله وكيلا، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)[الأحزاب:7071].
أيها المؤمنون:
إن الوطن الذي تقام فيه الشرائع وتذاع فيه الشعائر، ويكتنفه الأمن، ويحيط به الأمان، نعمة إلهية، ومنحة ربانية، يمتن الله بها على من يشاء من عباده، قال تعالى: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور) [سبأ: 15]، فيجب أن نشكر الله تعالى على ما أفاء به علينا، لنحظى بخيري الدنيا والآخرة، فبالشكر تدوم الآلاء والنعم وتندفع الآفات والنقم، قال تعالى:(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[إبراهيم: 7].
قال ابن القيم رحمه الله: (الشكر هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا. وعلى قلبه: شهودا ومحبة. وعلى جوارحه: انقيادا وطاعة). وأعظم الشكر أيها الإخوة: أن نحقق التوحيد، فنلتزم العقيدة المستقيمة والشرعة القويمة، ونراعي الثوابت والأخلاق وجميل الأعراف والعادات، ولنحذر أشد الحذر من جميع صور الفساد، فهو مؤذن بخراب العمران وانحدار البلاد.
أيها المؤمنون:
إن حب الوطن ليس شعارا يرفع أو كلمة تنطق، بل صحة مقال يصدق بالفعال، فيترجم على الجوارح والطاقات سلوكا وعملا، ودفاعا وحفظا وتكافلا وتآلفا، قال الله تعالى:(وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)[الأنفال: 46]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟»، قالوا: بلى، قال: «صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة» [رواه الترمذي وصححه]، فكم أهلكت من أمم بسبب تنازعها، واندثرت حضارات بسبب تناحرها! ولما كان اجتماع القلوب من الأهمية بمكان، كان من أوائل الأعمال التي قام به نبينا صلى الله عليه وسلم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
فاتقوا الله عباد الله وقفوا صفا واحدا في وجه كل مرجف، واحذروا من عبث كل مفسد، وتجنبوا مظاهر الإسراف والبذخ والتبذير والشطط، حتى يسلم الوطن من عبث العابثين وكيد المفسدين، قال تعالى:(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) [الأعراف: ٩٦].
اللهم إنا نسألك عيش السعداء، ومنازل الشهداء، والشكر على النعماء، والصبر على البلاء، والنصر على الأعداء، ونسألك التوفيق والسداد، والهدى والرشاد، واغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. اللهم وفق أميرنا وولي عهده لهداك، واجعل أعمالهما في رضاك، وألبسهما ثوب الصحة والعافية والإيمان، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.