العالم يترقب ما بعد المشادة بين ترامب

- فانس يتهم الرئيس الأوكراني بعدم الامتنان لواشنطن وبتنظيم «جولات دعاية» في بلاده.. وروبيو يطالبه بالاعتذار ويعلن إلغاء اتفاق المعادن الثمينة
- زيلينسكي يزور لندن ويتلقى دعماً من القادة الأوروبيين ويؤكد أنه يمكن «إصلاح» العلاقات.. والرئيس الأميركي: لا تملك أوراق ضغط
يترقب العالم بحذر مآلات المشادة غير المسبوقة، بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال استقبال نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، والتي سلطت الضوء على الخلاف المتنامي بين الولايات المتحدة وأوكرانيا خصوصا، وبين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين عموما، وأثارت تساؤلات بشأن المرحلة المقبلة، تحت أنظار روسيا المتفائلة التي اعتبرت الحادثة «تاريخية»، فيما تلقى زيلينسكي دعما كبيرا من الحلفاء الغربيين.
كان كل شيء يسير على ما يرام بداية استقبال ترامب لزيلينسكي أمام البيت الابيض، قبل أن يتحول الاستقبال التقليدي للصحافيين لالتقاط الصور وطرح بعض الأسئلة في المكتب البيضاوي، إلى مواجهة عاصفة تركت مصير كييف معلقا.
وبقي نقاش الرئيسين وديا خلال الدقائق الأربعين الأولى من لقائهما، لكن ترامب وزيلينسكي اللذين كان كل منهما شخصية تلفزيونية خلال مسيرته، يعرفان كيفية التلاعب بالكاميرا.
وأدلى ترامب، النجم السابق لتلفزيون الواقع، بتعليق ساخر لكن بلطف على ملابس زيلينسكي الذي يعتمد زيا شبه عسكري منذ بداية الحرب مع روسيا.
وأشعل نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس الشرارة، حين اتهم زيلينسكي بعدم «الامتنان» للدعم الأميركي عندما شكك الزعيم الأوكراني في دعوته لاعتماد «الديبلوماسية» مع موسكو لإنهاء الحرب.
ومع احتدام النقاش، سأل زيلينسكي فانس عما إذا كان قد زار أوكرانيا سابقا، ما دفع الأخير لاتهامه بغضب بتنظيم «جولات دعاية» في بلاده.
بعد ذلك، تدخل ترامب في النقاش. وعندما قال زيلينسكي إن واشنطن «ستشعر» في المستقبل بما تعانيه كييف حاليا، رد ترامب بغضب وبصوت مرتفع «لا تعرف ذلك. لا تقل لنا ما الذي سنشعر به… لا تقل لنا ما الذي سنشعر به».
بعد ذلك، خرجت الأمور عن السيطرة. وقال ترامب لزيلينسكي «أنت تجازف بحياة ملايين الأشخاص، تجازف بحرب عالمية ثالثة، وما تقوم به ينم عن عدم احترام لهذا البلد» في إشارة إلى أميركا.
وبينما بدت معالم الغضب واضحة على وجهه، رفع ترامب إصبعه في وجه زيلينسكي تزامنا مع ارتفاع صوته وزيادة حدة نبرته.
ووجد زيلينسكي نفسه فيما يشبه المكمن، وواصل محاولة التعبير عن وجهات نظره بينما كان ترامب ينتقده.
وتوجه الرئيس الأوكراني إلى نائب الرئيس بالقول «تظن أنه لو تحدثت بصوت عال عن الحرب..»، ليسارع ترامب إلى التدخل قائلا «هو لا يتكلم بصوت عال».
وعندما سأل زيلينسكي مضيفه اذا ما كان في إمكانه الرد على ما يقولانه، رد ترامب «كلا، كلا، لقد تكلمت كثيرا. بلادك في مأزق كبير».
ثم شرع ترامب في الإدلاء بسلسلة من الملاحظات على الدعم الأميركي لأوكرانيا، والذي سبق له أن انتقده في عهد سلفه الديموقراطي جو بايدن والذي وصفه بالغبي الذي قدم 350 مليار دولار من الدعم لكييف.
وقال ترامب لزيلينسكي «دعني أخبرك، بوتين مر بالكثير معي، لقد عانى من مطاردة مزيفة»، في إشارة إلى تحقيق خلال ولايته الأولى بشأن التواطؤ مع روسيا في حملته للانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016.
وأضاف ترامب لزيلينسكي «لكن عليك أن تتوصل إلى اتفاق وإلا سننسحب» مضيفا «لا تملك أي أوراق للمساومة»، قبل أن يطلب وقف اللقاء وإخراج الصحافيين، قائلا «لحظة تلفزيونية جيدة. ما رأيكم؟».
وأضاف أنه «لا يمكن لزيلينسكي أن يقف ويقول عن بوتين أمورا عدة كلها سلبية.. إنه رجل لا يريد صنع السلام»، داعيا زيلينسكي إلى «إعلان» رغبته في السلام أولا.
ولم يجب ترامب عن سؤال فيما إذا كان ينوي قطع المساعدات العسكرية عن أوكرانيا.وبعد قرابة ساعة، غادر زيلينسكي البيت الأبيض، بينما تم إلغاء توقيع اتفاق المعادن والمؤتمر الصحافي الذي عادة ما يعقد بعد اللقاء وكذلك حفل الغداء الذي كان مقررا.
ولقيت المشادة صداها في موسكو، حيث أشادت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بتحلي ترامب بـ«ضبط النفس» بعدم ضرب زيلينسكي.
وبعد خروج الصحافيين من المكتب، أكد ترامب عبر منصته «تروث سوشيال» أن الرئيس الأوكراني يمكنه أن يعود «عندما يكون مستعدا للسلام».
وعلى صعيد متصل، دعا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في مقابلة مع شبكة (سي إن إن) الإخبارية زيلينسكي إلى «تقديم الاعتذار». وقال ان اتفاقية المعادن النادرة التي كان من المقرر توقيعها مع أوكرانيا كانت تهدف إلى ربط البلدين «اقتصاديا»، مؤكدا أن تلك الاتفاقية ستكون بمثابة «ضمانة أمنية لأوكرانيا لأننا سنكون معنيين بالتأكيد برعاية مصالحنا».
وعلى الطرف الآخر عبر الرئيس زيلينسكي في مقابلة مع قناة (فوكس نيوز) الأميركية، عن ثقته بإمكانية «إصلاح» علاقته مع ترامب.
وقال زيلينسكي في رد على سؤال حول مدى إمكانية «إنقاذ» العلاقات من هذه التوترات «نعم بالطبع لأن العلاقات أكثر من مجرد رئيسين.. إنها علاقات تاريخية.. علاقات قوية بين شعبينا ولهذا السبب بدأت دائما بشكر شعبكم نيابة عن شعبنا».
وأضاف «بالطبع أشكر الرئيس وبالطبع الكونغرس ولكن أولا وقبل كل شيء أشكر شعبكم.. لقد ساعد شعبكم في إنقاذ شعبنا.. أردنا بشدة أن تكون لدينا كل هذه العلاقات القوية».
وبخصوص رأيه في المشادة الكلامية مع ترامب ونائبه، اعتبر زيلينسكي أن الخلافات بين كييف وواشنطن «سيئة لكلا الجانبين».
ووصف المشادة الكلامية بأنها «كانت موقفا صعبا للغاية، لأننا كنا صريحين للغاية ومباشرين للغاية» متحاشيا في الوقت نفسه تقديم اعتذار للرئيس الأميركي الذي اتهم زيلينسكي «بعدم احترام» الولايات المتحدة.
وتلقى زيلينسكي دعما كبيرا من حلفاء أوكرانيا الأوروبيين الذين من المقرر أن يجتمعوا اليوم في لندن، التي وصلها زيلينسكي بعد الزيارة المتوترة لواشنطن.
وكتب المستشار الألماني أولاف شولتس بدوره، على «إكس» قائلا: «لا أحد يريد السلام أكثر مما يريده الأوكرانيون»، مضيفا أن «أوكرانيا يمكنها الاعتماد على ألمانيا ـ وعلى أوروبا».
وذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «كنا جميعا على صواب في مساعدة أوكرانيا ومعاقبة روسيا قبل ثلاث سنوات، وسنواصل ذلك»، داعيا إلى احترام أولئك الذين يقاتلون منذ البداية.
وخاطب رئيس الوزراء الپولندي دونالد تاسك من وصفهم بـ«الأصدقاء الأوكرانيين الأعزاء» وقال «لستم وحدكم».
وأكدت الرئيسة السلوفينية ناتاشا بيرك موسار أن بلادها «تدعم المبادئ واحترام القانون الدولي والعلاقات الدولية».
وأضافت «نحن نقف بحزم لدعم سيادة أوكرانيا»، لافتة إلى أنه «قد حان الوقت لكي تأخذ أوروبا زمام المبادرة على طريق السلام في أوكرانيا. مع احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والإنصاف وقبل كل شيء… الاحترام».
واحتشد قادة أوروبيون آخرون للدفاع عن أوكرانيا في رسائل مماثلة، بمن في ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيس الوزراء الايرلندي مايكل مارتن، ورئيس ليتوانيا غيتاناس ناوسيدا، ورئيسة مولدوفا مايا ساندو، ورئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستور، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.
بدوره، أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن معركة أوكرانيا ضد روسيا هي «من أجل الديموقراطية والحرية والسيادة هي معركة مهمة بالنسبة إلينا جميعا».
وأضاف «كندا ستستمر في الوقوف إلى جانب أوكرانيا».
كما تلقى زيلينسكي دعما كبيرا من جانب مواطنيه الاوكرانيين الذين عبروا عن صدمتهم وغضبهم إثر المشادة الكلامية. وعبر «إكس»، أعاد الحساب الرسمي للرئيس الأوكراني، نشر الرسائل الداعمة له، مع تعليق «شكرا على دعمكم» على كل منها.

