العملية رقم 60
وللتوضيح، أنا أعني الدكتور عبدالله الربيعة الطبيب السعودي الشهير بجراحة فصل التوائم السيامية، أما داريا وأولغا فهما التوأم السيامي البولندي اللتان تم فصلهما بنجاح في الرياض عام 2005، وعندما وصلتا سن الخامسة زارتا الرياض وكان منظر دخولهما مكتب الدكتور الربيعة، وهما تتسابقان لاحتضانه ودموعه تترقرق في عينيه، مشهداً تتجسّد فيه أسمى وأبلغ معاني الإنسانية. وعندما زار الدكتور عبدالله بولندا والفتاتين في سن الشباب، احتفت به بولندا احتفالاً كبيراً، رسمياً وشعبياً وإعلامياً.
حدثت عملية فصل التوأم البولندي خلال فترة صعبة في المملكة كانت صورتنا الذهنية النمطية في المجتمعات الغربية سلبية جداً نتيجة ما فعله بنا خطاب التشدد والتطرف الذي أفضى لاحقاً إلى العنف الدموي، وخلال تلك الفترة وقبلها كان أولئك المتطرفون من رموز الصحوة يدمغون بصمَتهم على الخطاب الديني الذي يصدّرونه للخارج من خلال أنشطتهم الخارجية النشطة. أتذكر أني كتبت مقالاً حينها، أي بعد عملية فصل التوأم البولندي، أتساءل من يجب أن يكون الداعية السعودي الحقيقي الذي يمثّل قيم وأخلاق الإسلام والمجتمع السعودي، الدكتور عبدالله الربيعة وفريقه أم أولئك المتنطعين الذين أضروا بنا، ولكم أن تتخيلوا ردة فعلهم على المقال في وقت كانوا يمسكون فيه بتلابيب القوة والضغط والتأثير.
كل هذه التداعيات برزت في ذاكرتي وأنا أتابع نجاح العملية رقم 60 لفصل التوأم السيامي النيجيري خلال الأسبوع الماضي، وفي نفس التوقيت أيضاً مغادرة التوأم العراقي للمملكة بعد عام ونصف من العملية والرعاية. هذا الحدث جعلني أعود لمراجعة أخبار البرنامج السعودي لفصل التوائم السيامية وأشارككم بعض معلوماته، فهو الوحيد من نوعه على مستوى العالم الذي يتكفل بجميع نفقات العملية والعلاج والتأهيل لما بعد العملية، كما أنه البرنامج الأكبر عالمياً، والأفضل من حيث النتائج. لقد قام البرنامج منذ بدئه عام 1990 بفصل 118 توأماً من 23 دولة في 3 قارات، وهذه العملية رقم 60 في المملكة. ولم يكن يتحقق لهذا البرنامج النجاح لولا البنية الطبية الأساسية المكتملة على أفضل المستويات والكوادر الطبية عالية التأهيل والكفاءة في مختلف التخصصات، وللمعلومية فإن عملية فصل التوائم تحتاج فريقاً ضخماً من كل التخصصات الطبية والتمريضية والفنية، أصبحت نسبته الكبرى من الكوادر السعودية.
قصة فصل التوائم في المملكة لا تمثل فقط صورة إنسانية ناصعة للمملكة، ولا مظهراً للقوة الناعمة فقط، ولا شاهداً على التطور الكبير والسريع للقطاع الصحي فحسب، إنها قصة مثيرة في تأريخ الإنسانية يجب توثيقها بكل الأشكال. وأما حكاية (داريا) و(أولغا) والدكتور الربيعة وتفاصيلها فأنا مصر أنها ستكون لوحدها فيلماً استثنائياً، أرجو من أستاذي وأخي الكبير الدكتور عبدالله الربيعة ألا يحول تواضعه عن التفكير في ذلك.