Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الخليج

«النفعيّة» تهدد صداقة المثقفين

غدت الإجابة الحاضرة على لسان بعض المثقفين عند سؤالهم عن مثقف غائب «من زمن ما رأيته» ما يشي بانقطاع العلاقات الإنسانية بين المثقفين، وظهور علاقات أحدث تحكمها مصالح وتبادل نفعي، ولتفادي مزيد من التدهور في الصداقات، تتحرى «» في هذه المساحة رأي عدد من الكتّاب حول الصداقة وأخلاقياتها. فيرى الشاعر هاشم الجحدلي أن زمن الصداقة الثقافية النقيّة لن يعود، كونه كان خالياً من المصالح والمنافع، فيما تحولّت الثقافة إلى مشاريع وبزنس، معرباً عن قلقه من التبادلية النفعية التي ترهن العلاقات الإنسانية، تحت ظلّها وتشوّه أجمل مكتسب يمكن أن يخرج به مثقف من المشهد النخبوي.

فيما ذهب الناقد محمد الحرز إلى أن (سؤال التحقيق) يفترض ضمنياً علاقة تلازم بين الشخص؛ باعتباره مثقفاً يحمل قيماً تنويرية اجتماعية وأخلاقية ومعرفية باستطاعته من خلالها أن يكون قدوة لما يحمله من قيم للآخرين، من جهة، وبين ظاهرة العلاقة بالأصدقاء وخصوصاً كما يطرحها التحقيق أحد أوجه الصداقة وهو غياب الأصدقاء أو فقدهم وكما يظهر من (سؤال التحقيق) لا يعني الفقد الموت وإنما نوع من الجفاء بسبب عوامل كثيرة تمس العلاقة نفسها، هذا ما يبدو لي من معنى التحقيق المطروح.

ويؤكد الحرز أن مثل هذا الافتراض في ربط هذا بذاك لا يصح بالنظر إلى تاريخ المثقف وتجاربه الاجتماعية والأخلاقية؛ التي لا تشي أنه يطبق ما يؤمن به من قيم، ومن ضمنها بالطبع ما يخص العلاقة بالأصدقاء، لافتاً إلى أنه لو استقصيت حياة بعض المثقفين ولا أقول كلهم بالطبع ستجد أفعالهم تأتي عكس أقوالهم، وبالخصوص إذا وجدته يزايد على بعض القيم كالحرية والحقوق والمحبة. وأضاف من جانب آخر ربما لا نعدم في الحياة وجود مثقفين حقيقيين تتطابق أقوالهم أفعالهم بالخصوص الجانب الإنساني من شخصياتهم، وهم كثر لو تأملت تاريخ المثقفين والمصلحين والفلاسفة المؤثرين، ولفت إلى أنه ينبغي النظر إلى العلاقات بين الأصدقاء خارج نطاق الصفات التي ترتبط في كونهم مثقفين أو مبدعين أو علماء أو سياسيين من طبقات برجوازية. عبر النزعة الإنسانية التي تتأسس بين الأصدقاء والقائمة على التعايش والذكريات والألفة والمحبة، وهذه في ظني هي ما تتطلبه الحياة كي تستمر وتغتني بهم، وإزاء مثل هذه العلاقات بهذا المستوى من الطموح، لا أظن أن مثل هذا الجفاء بين الأصدقاء سيكون محل أزمة.

فيما أجاب الكاتب محمد السحيمي، بقوله؛ الإجابة المباشرة: نعم في أغلب الأحوال، وعلى مستوى المبادرات الفرديّة من بعض رفقاء الدرب وشركاء الهم! ولكن: كيف يسأل؟ وعمّن يسأل: عن الشخص وظروفه الفردية؟ أم عن المبدع وقيمته الاجتماعية والوطنية؟ والخلط بين السؤالين ربما يؤدي إلى نتائج عكسية تؤلم المسؤول دون قصد سيئ من السائل! فكثير من المثقفين المبدعين يتميز بشخصية معقدة حساسة لا تقبل الشفقة، وتأنف من الشكوى والبوح ولو لأقرب الأقربين، وتميل إلى العزلة والانطواء، وتتوجس من الاهتمام المفاجئ، وسرعان ما تهوي في جحيم الاكتئاب. ويرى السحيمي أن المثقف لا سيما مع تقدم العمر وتغير الوجوه من حوله أحوج ما يكون إلى طبيب نفساني، يدرس حالته منذ البداية أو زميل صديق يثق فيه، يعرف كيف يحوِّل نزفه الداخلي إلى دفق خارجي يعيده إلى حالة التوازن والهدوء. وأضاف وبالعودة إلى السؤال الأول، لماذا يفقد المثقف صديقه أصلاً؟ لماذا ننتظر حتى توغل الجراح في أرواحنا وتشوِّه مصائرنا؟ لماذا لا تكون لنا رابطة خاصة تصنع لنا كهفاً دافئاً داخل هذا الواقع الطاحن، وحضناً رؤوماً نأوي إليه كلما أحرقنا الحنين؟.

فيما تساءل القاص ظافر الجبيري من يبادر؟ من يعلق الجرس؟ من يكسر حاجز الجليد إن كان هناك حاجز أو أمر أدى إلى تجاهُل واجبات الصداقة؟ من يصنع الفرق في التواصل؟ من يتخلّى عن القطيعة إن اعتنقها (البعض) أو اتخذها (الآخر) أولى درجات النسيان. وقال: «ها إن القارئ لا يرى إجابة.. بل يرى تساؤلات عن تساؤل واحد». وعزا الجبيري حالة التخلي عن الأصدقاء إلى تعقيدات الحياة.. ومعركة غير متكافئة يعيشها المثقف خصوصاً والإنسان عموماً مع مسألة شح الوقت حيناً، ومع بخلٍ به حيناً! وهو توصيف قريب لما يجري بين الأصدقاء، مؤكداً أن المثقف إنسان، والصداقة قيمة، والفقد حالة مشتركة أو شعور ناتج عن سلوك، أما السؤال فهو أداة لمعالجة ناتج أو نواتج هذا السلوك، أما المبادرة فهي طاقة متجددة تعزز وتغذي العلاقة وتمد في عمرها، وروح تحمل التواصل إلى بر الأمان في زمن تداخلت فيه العلاقات الإنسانية والتبست بظواهر الميديا الحديثة، ما أدّى إلى ارتباك المعايير مع تعدّد وسائل التواصل بين إرسال ابتسامة مثلاً أو وردة أو أغنية أو فيديو مختار.. وصولاً إلى نص منشور أو مشاركة في ملتقى أو دعوة إلى فعالية، دون إغفالٍ للتواصل التقليدي.

ويرى المستشار الثقافي الدكتور زيد الفضيل أن الإشكال يبدأ أولا من تعريف المثقف؟ هل هو الأديب بمعنى الشاعر والقاص والروائي الذي تصر عليه هيئة الأدب وتحتكره بشكل مطلق إلى الآن؟ أم هو المعرفي المدرك الواعي المشارك كما يقول غرامشي في مختلف الفنون المجتمعية؟ وعليه فانظر إلى جمعية الأدب من حيث موضوعها ولمن تتوجه. نحن يا صديقي أمام إشكال منهجي مستمر في حصر المثقف في خريجي أقسام اللغة وأدابها، في حين أن أبرز المشاركين في حقل الثقافة ليسوا من ذلك القسم، ولعلي أحدهم، على أن رسالتي للدكتوراه كانت في التاريخ الثقافي من قسم التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز، ومع ذلك لم يشفع لي أن أكون من جمهرة المثقفين بنظر الجهات المعنية وإنما من المشاركين والمصفقين فقط. هي إشكالية عميقة وتحتاج إلى مكاشفة ومراجعة، ليتم تأسيس رابطة حقيقية للمثقفين وليس للأدباء، ويكون عقب ذلك للرابطة فروعها واستحقاقاتها.

كم من مثقف توارى دون أن يسأل عنه أحد ؟

ويؤكد الناقد الدكتور سعد بن سعيد الرفاعي أن المثقف قبل كل شيء إنسان أولاً وإنسان آخر، مرتهن لطبيعته الإنسانية وقناعاته الفكرية في ما يخص جانب العلاقات الإنسانية، شأنه شأن أي إنسان، فهناك الوفي، وهناك البراغماتي، وهناك من يوازن بينهما، والناس بحسب طبائعها وما جبلت عليه نفوسهم، لكن إن أردت الحديث عن المجتمع أو الوسط الثقافي كتوصيف لما هو قائم فيه فمما يؤسف له ضعف العلاقات والروابط في هذا الجانب، فكم من مثقف توارى دون أن يسأل عنه أحد، وكم من أديب انزوى ولم يفتقده أحد، وكم علاقات نشأت في اجتماعات ولقاءات ثقافية يكون حدودها الملتقى دون استحقاق لاحق يتبعها، وأرجع الرفاعي بعض أسبابها لطبيعة العمل الثقافي وانهماك كل مثقف بمشروعه، أو لعل تكرار الملتقيات وطبيعتها تؤدي إلى شيء من التبلد في هذا الجانب، واستثنى الغالب كون في الناس الخير، والسؤال موجود والتواصل يبحث عن أسبابه، ولعل ممن يشاد به في هذا الجانب الصديق محمد باوزير الذي ما فتئ يتتبع أحوال بعض الأدباء والمثقفين من أصحاب الظروف المرضية والصحية ويقوم بتنسيق زيارات تواصل لهم مع بعض الأصدقاء، وهو عمل نبيل يحسب لأخي أبي فراس ولا يستغرب عليه، مضيفاً بأنه يفتقد الدكتور سلطان القحطاني، والدكتور سحمي الهاجري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *