تسوّل بـ «رمضان كريم» !
ولم يعد للتسول موسم بعينه، وإن كان يظهر جلياً في شهر رمضان، إذ يستغل ضعاف النفوس حرص الجميع على التصدُّق في هذا الشهر، فيأخذون هذه الرغبة لصالحهم، ويبدأون في تخطيط أساليبهم الحيلية باللجوء إلى العديد من الوسائل والطرق.
ينتشر المتسولون في الشوارع والمطاعم وأمام إشارات المرور والمساجد وحتى عند تشييع الأموات وعبر منصات التواصل الاجتماعي، يدّعون الجوع والحاجة، ويستعطفون من يجدونه بشعارات متعددة منها «رمضان كريم»، وحين تقترب من أحدهم لمعرفة هويته وجنسيته وموقع سكنه وحاجته، يولي الأدبار هارباً خشية القبض عليه وافتضاح أمره.
بكاء مصطنع وتشرُّد كاذب
في إطار الحملات الميدانية المستمرة للجهات الأمنية في رصد المتسولين وضبطهم، أعلنت شرطة جدة، مطلع الأسبوع، القبض على أربعة باكستانيين امتهنوا التسول، واستخدموا صور أطفال معوقين وتقارير طبية لاستعطاف المارة أمام الجوامع والشوارع العامة، وتم إيقافهم للتحقيق.
وكشفت تقارير إعلامية، رصد أساليب متعددة للتسوّل كاستغلال الأطفال والزج بهم وإظهار ملامح البكاء والعويل والتشرّد، وادعاء العاهات والأمراض والأوراق والتقارير المزورة.
ويقول عمر أبو السعود: إنه من طبيعة البشر، والمسلم خصوصاً، ميله إلى مساعدة الآخرين والوقوف إلى جانبهم مادياً ومعنوياً؛ فالمسلم بطبعه عطوف، وهذه الصفة للأسف يستغلها بعض ضعاف النفوس؛ الذين يمتهنون التسول كأقصر وأسهل الطرق للوصول إلى المال، لا يريدون بذل المجهود والعمل، يريدون جني المال دون عناء.. وللأسف هذه الظاهرة على الرغم من اهتمام الدولة بمعالجتها من خلال توفير المساعدة للمواطن بواسطة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
بلّغوا السفارات والقنصليات
ويضيف أبو السعود: إلا أنه للأسف تظهر جلياً ظاهرة التسول، وخصوصاً في رمضان وشهر الحج عند الوافدة، وهنا يأتي دور سفارات الدول وقنصلياتها بتوعية أبنائها وتحذيرهم من امتهان التسول حتى لا يسيئوا لبلد احتضنهم وقدم لهم كل التسهيلات.
ويضيف فارس البقمي: إنه، شخصياً، توقف عن مساعدة هؤلاء تطبيقاً لأنظمة الجهات المعنية. فيما يلفت نواف العتيبي إلى أن كثيراً من هؤلاء ينشطون في التسول خلال رمضان ويستخدمون عبارات استعطاف مثل رمضان كريم، والأجر مضاعف بهدف الحصول على المال. وذكر أبو تركي، أنه عندما أراد الهبوط من سيارته ليرشد أحد المتسولين للذهاب نحو إحدى الجمعيات هرب وهو الذي كان يتوكأ على عصا بيده، ما جعله في ريبة من أمره. ويشير أبو عمار إلى أنه يتلقى رسائل في الخاص عبر منصات التواصل لمتسولين بشكل مباشر وغير مباشر بطلب المساعدة دون معرفة سابقة.
دراسة مسحية على المتسول
الباحث الاجتماعي عبدالله ناصر الزهراني، قال: إن شهر رمضان من المواسم الروحانية التي يقبل فيه المسلمون على الخير؛ ومنها الصدقات، وقد يكون هذا من الأبواب التي من خلالها قد يتم استغلال فيه هذا التوجه الإيماني من قبل كثير من ضعاف النفوس لتحقيق مكاسب غير مشروعة من خلال احتراف مهنة التسول التي تعتبر من المظاهر الأزلية والمشاهدة، وخصوصاً في أشهر الأخير والبر والإحسان.
وأشار الباحث الاجتماعي الزهراني إلى أهمية دراسة هذه الظاهرة الخطيرة من منظور اجتماعي، وأنها أولوية قصوى على المختصين والباحثين في الشأن الاجتماعي، وينبغي أن يتم عمل دراسات مسحية توضح الحالة الاجتماعية والأمنية للمتسول، ثم يتم تحديد العوامل التي ساعدت على امتهانه هذه المهنة، إذ إنها في الآونة الأخيرة أصبحت متفشية وبالذات من صغار السن، ثم يتم النظر في الحالة لكي يتم تأهيلها وتبصيرها بخطورة هذا العمل وما هي آثاره السلبية عليه على المدى البعيد.
منع شحاذي النت
يضيف الباحث الاجتماعي الزهراني، بأن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، تقوم بدور عظيم في عملية التأهيل والتبصير من خلال المتخصصين في الجانب الاجتماعي والجانب النفسي، وكذلك وزارة الداخلية من خلال عمليات الضبط الأمني.
ولفت الباحث الاجتماعي الزهراني إلى ما يخص الشأن الميداني فيتضح من خلال الفحص الاجتماعي للحالات فغالباً تكون للفئات الوافدة الذين لا يحملون الإقامات النظامية، وبطبيعة الحال يتم تجنيدهم من بعض المتاجرين بهم، فيتم إحالتهم وفق الأنظمة المعمول بها. أما ما يخص المواطن فحسب اللائحة التنفيذية لمكافحة التسول يتم عمل دراسة حالة اجتماعية له؛ وفقاً لنظام الضمان الاجتماعي، وإذا رأى الباحث الاجتماعي ضرورة الدعم يتم من خلال القنوات التي قررتها الأنظمة بشأن دعمهم.
وأشار الزهراني إلى أن التسول عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقلّص بشكل لافت بعد القرارات الصارمة وكذلك وعي المجتمع وأدى ذلك إلى تقليصها بشكل واضح، ونحن كمختصين في الشأن الاجتماعي نراهن على الوعي المجتمعي في تضافر الجهود للحد من هذه الظاهرة.
يسر المعرفات الوهمية
المحاضر بقسم الإعلام في جامعة الطائف ناهس العضياني، قال: إن لوسائل الإعلام دوراً في التوعية والتثقيف تجاه قضايا المجتمع بأنواعها؛ ومنها مكافحة التسول بتوضيح العقوبات والمخالفات التي يرتكبها المتسولون والتعريف بالطرق الصحيحة للمحتاجين لطلب المساعدات من الجهات الرسمية للدولة، انطلاقاً من دور الإعلام الرقابي على المجتمع ومؤسساته، فمواقع التواصل الاجتماعي انتشر فيها التسول الإلكتروني، وأصبحت ظاهرة افتراضية تتطلب من مستخدميها مكافحة الظاهرة، وعدم الانسياق خلفها، خصوصاً أنها تحمل بعض المعرفات الوهمية وعدم التأكد من صحة هذه الحالات واحتياجاتها مما أتاح الفرصة للمحتالين في الوصول للمجتمع وطلب المساعدات من خلال هذه المنصات وعدم مصداقيتهم.
ظاهرة سيئة
المستشار في القطاع غير الربحي حامد الذيابي، أكد أن التبرع للمتسولين ظاهرة سيئة، إذ لا يعلم المتبرع هل الشخص الذي قدم له المال فعلاً يستحق أم لا؟، فلا يمكن له تحديد ذلك، بل قد يستخدم الشخص هذه الأموال في أمور تخالف أنظمة الدولة أو خلافه، فهؤلاء يستغلون شهر رمضان وعاطفة المجتمع وحبهم للخير في الشهر الفضيل، فيتحايلون بكل ما هو ممكن من حيل وأكاذيب مستنسخة ومكررة تستدرج الآخرين، وإلا فإن هؤلاء المستحقين بإمكانهم التسجيل في الجمعيات الخيرية التي تخدمهم وترعاهم إن كانوا فعلاً على حق.. للأسف يحدث كله مع النقلة النوعية في القطاع غير الربحي الذي شهد نمواً كبيراً، إذ يتجاوز عدد المنظمات غير الربحية أكثر من ستة آلاف منظمة تخدم ملايين المستفيدين بشكل سنوي من خلال بحث اجتماعي وباحثين متخصصين ينزلون للميدان، ويدرسون الاحتياج المجتمعي، ويحددون التدخلات والمشاريع المناسبة، ويراعون الفئات الأكثر حاجة.
اذهبو اللمنصات الموثوقة
المستشار في القطاع غير الربحي حامد الذيابي، أوضح أن الجمعيات الأهلية في المملكة المصرح لها من قبل الدولة التي تقع تحت إشراف المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، لديها منصات تبرع موثوقة ومصرحة تستقبل من خلالها كافة أنواع التبرعات المالية؛ سواء الزكوات أو الصدقات أو الكفارات أو الأوقاف العينية لكافة شرائح المجتمع المختلفة والفئات الأكثر حاجة، سواء من الأيتام أو الأرامل أو غيرهم، وتقدم العديد من المشاريع الإنسانية المتنوعة من خلال إجراءات رسمية تتابعها الدولة وتضمن وصولها للمستحق، وقد سهلت التبرع من خلال التقنية والدفع الرقمي وكذلك التحويل البنكي أو التبرع عبر الرسائل النصية أو من خلال المنصات الوطنية المعتمدة؛ مثل منصة إحسان أو منصة جود أو غيرهما، وكل ذلك من أجل أن يتم تسهيل العمل وإيصاله لمستحقيه ويصل للمتبرع تقرير بالمشروع الذي ساهم فيه والأثر الذي صنعه في مجتمعه، لذلك فإن الأولى على العاقل أن يضع ماله في مكان الثقة وخدمة مجتمعهم، محذراً من الوافدة التي تأتي إلى المملكة مستغلة المواسم ومستغلة حرص الناس في هذه البلاد على تقديم الصدقات.
لا تتعاطف معهم
نائب مدیر شرطة منطقة مكة المكرمة سابقاً اللواء الدكتور محمد دخيل الله الحارثي، أوضح أن التسول ظاهرة اجتماعية موجودة في شتى الدول الفقيرة أو المتقدمة، وهي تتمثل في طلب المال أو المساعدة المادية من الآخرين بطرق غير قانونية وغير مشروعة، وذلك في الأماكن العامة مثل الشوارع والساحات والمساجد والمستشفيات، دون أن يكون للمتسول الحق في هذه المساعدة التي يطلبها من المجتمع. وأضاف أن التسول من المشكلات الاجتماعية التي تؤثر على النسيج الاجتماعي والاقتصادي والأمني والثقافي، وأسبابها عدة وهو مرض عضال تحاربه الدول وتحاول الحد منه والقضاء عليه؛ كونه ظاهرة تؤثر على الأمن والأمان؛ خصوصاً مع توسعها وإيجاد منظمات ترعاها وأشخاص تديرها، ولأنها تفتح باباً للمخالفين، لذلك لا بد من الوعي للتصدي لهذه الظاهرة التي تستغلها في بعض الأحيان عصابات للتسول، ومن جهة أخرى ينظر لهذه الظاهرة أن إسهام وتعاطف بعض المواطنين وتقديمهم الدعم المالي للمتسولين واستغلال المناسبات الدینیة والأعياد وموسم الحج، يجعل المملكة بيئة جاذبة للمحتالين ولمخالفي نظام الإقامة، وتؤدي هذه الظاهرة إلى جريمة إنسانية؛ وهي استغلال الأطفال في هذا المجال، وحرمانهم من أسرهم وحقوقهم في التعليم والصحة.
ويدعو نائب مدیر شرطة منطقة مكة المكرمة سابقاً الحارثي، إلى ضرورة إدراك المجتمع أن تهاونهم وتساهلهم في إيواء أو تشغيل هذه الفئة باختلاف أعمارهم أو جنسياتهم أو التعاطف معهم يحمّلهم مسؤولية أخلاقية وقانونية إزاء المخاطر الأمنية والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن ذلك، وقد أولت المملكة اهتماماً كبيراً بمكافحة هذه الظاهرة؛ حيث تعمل إدارة مكافحة التسول بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على تحقيق أسس التوجيه والإصلاح.
التحريض على التسول.. جريمة
أكدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أنه وفقاً لنظام مكافحة التسول يعاقب كل من امتهن التسول أو حرض غيره أو اتفق معه أو ساعده بأي صورة كانت على امتهان التسول، بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تزيد على 50 ألف ريال، أو بهما معاً، ويعاقب كل من امتهن التسول أو أدار متسولين أو حرض غيره أو اتفق معه أو ساعده بأي صورة كانت على أي من ذلك ضمن جماعة منظمة تمتهن التسول؛ بالسجن مدة لا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تزيد على مئة ألف ريال، أو بهما معاً.
ويبعث نظام مكافحة التسول رسالته الصارمة لمنع التسوّل وتحجيم ظاهرته، وكشفت لائحة النظام التنفيذية أن المتسول هو من يستجدي للحصول على مال غيره دون مقابل أو بمقابل غير مقصود بذاته نقداً أو عيناً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الأماكن العامة أو المحلات الخاصة أو في وسائل التقنية والتواصل الحديثة، أو بأي وسيلة كانت. وتحظر المادة الثانية من اللائحة التنفيذية التسول بصوره وأشكاله كافة، مهما كانت مسوغاته.
ويُبعد عن المملكة كل من عوقب من غير السعوديين عدا زوجة السعودي، أو زوج السعودية أو أولادها بعد انتهاء عقوبته؛ وفق الإجراءات النظامية المتبعة، ويمنع من العودة للمملكة؛ باستثناء أداء الحج أو العمرة.
تضخم الأموال الورقية
الكاتب الاقتصادي سلطان الخالدي، قال: إن المملكة تحرص على التصدي لهذه الظاهرة والسلبية حمايةً للمجتمع وحمايةً لأبنائها المواطنين بعدم استغلال طيبة تصرفاتهم؛ ناهيك أن هذه الظاهرة ذات تأثير على الاقتصاد الوطني، لذلك تسعى الدولة وبكل الطرق في القضاء على هذه الظاهرة؛ التي تظهر جلياً من خلال الشرائح المخالفة لنظام الإقامة وهي دائرة التسول.
ويضيف الاقتصادي الخالدي قائلاً: مجتمعنا في الأعوام الحالية ازداد وعياً وحرصاً، وبات مدركاً لأساليب هذه الفئة التي تستغل المواسم، حتى الجهات ذات الاختصاص باتت تسعى إلى التقليل من الاعتماد على الأموال الورقية واقتنائها لكي تنخفض مثل هذه السلوكيات، التي جرمتها الأنظمة والقوانين، وأكدت حرصها على وصول التبرعات والصدقات إلى مستحقيها من خلال قنوات معروفة ومعتمدة وسنّت قوانين العقوبات للمخالفين.