تفكيك السياسة الغربية
ومن هنا يظهر لنا كيف أن الإعلام الغربي يسعى لشيطنة كل قوى وطنية تدافع عن حقوقها المشروعة من الاستعمار الليبرالي المقيت، الذي يقتل الأبرياء ويستحل أراضي الآخرين كما في فلسطين المحتلة، وكما تفعل واشنطن في كثير من أنحاء العالم مطبقة قانون الغاب «البقاء للأقوى» ضاربة بالقوانين الدولية والأعراف والاتفاقيات الدولية الملزمة.
التاريخ والتجارب الحية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك كيف أن هذه القوى التي تسمي نفسها بالديمقراطية استحلت الثورات البرتقالية والمشبوهة، كما فعلت في أمريكا اللاتينية وفي الشرق الأوسط، وغير ذلك من دول العالم؛ بهدف السيطرة واستحلال الموارد والثروات للبلاد الأخرى. كما انتهجت هذه القوى الغربية الحرب الاقتصادية والمقاطعة سبيلاً للإضعاف وتدمير منافسيها أو كل من يشكل خطراً حتى لو كان خطراً وهمياً لها كما فعلت واشنطن في حصارها الاقتصادي لكوبا الدولة الجارة.
واشنطن سياساتها وتحالفاتها كلها تهدف للسيطرة والاستفادة من موارد وثروات الأمم. واستخدام المعايير المزدوجة لم يعد ينطلي على كل من عنده ذرة من عقل. إن جنة الغرب وديموقراطيته ما هي إلا أساطير (دولة الحشاشين) التي تصور لأتباعها جنة الوهم الزائفة التي تورد أتباعها للهلاك والدمار أو ليصبحوا تحت سيطرتها وسلطانها.
الخطأ القاتل أن تجرب المجرب مثل تناول السم الزعاف كترياق أو كدواء. فالغرب لا يقيم وزناً للقيم الأخلاقية التي هي نقيض للمفهوم المادي لليبرالية الرأسمالية؛ التي أجاد الفيلسوف والمفكر المصري الدكتور عبدالوهاب المسيري الذي له مؤلفات ومحاضرات عدة عن خطورة الفكر الغربي المادي كما جاء في كتابه (الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان) وإلى محاضراته الموجودة على اليوتيوب التي طبق فيها مفهوم النقد الحضاري الذي يغوص بعيداً للوصول إلى الأسس الفلسفية والفكرية؛ التي ترتكز عليها الحضارة الغربية ومناقشة تجلياتها حتى لا تكون العلاقة استلحاقاً وتبعية وضياع الهوية.
الغرب يسعى إلى استلحاق الدول به وجعلها تدور في فلكه وإلى السيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، والغرب يجيد استخدام سياسة الجزرة والعصا التي يقود الآخر فيها ليفقد كل كيانه ومقدراته. ورحم الله الدكتور المسيري الذي انتقد الحضارة الغربية واعتبرها تعبيراً عن التراجع التدريجي والمستمر للفلسفة الإنسانية، فالعلمانية الشاملة تبدأ مع إزاحة مركزية الإنسان، ثم نزع الجوانب الشخصية عنه ليصبح شيئاً ليست له خصوصية أو تفرد، ثم نزع القداسة عن كل شيء فتُهتك كل أستاره، وتفضح كل أسراره، ويُعرى من أية مثالية، ويُحول إلى مادة محضة، وهذه قمة العلمانية الشاملة والتفكيكية، فـ«ما بعد الحداثة» ما هي إلا نزع للقداسة عن العالم والإنسان والكون، وتحرير العالم من سره وسحره وجماله، وتجريد الإنسان من خصائصه.
العالم اليوم في صراع وحرب عالمية يهدف فيها الغرب إلى تفكيك الدول كما يقوم بالشيء نفسه على الفرد من تفكيك الإنسان ليفقد سحره وجماله وتجريده من خصائصه.
الصراع الذي يخوضه العالم على كافة المستويات مع المعسكر الغربي، صراع عالمي على كل المستويات يريد فيه الغرب استلحاق الدول الأخرى لينتصر على منافسيه كالصين وروسيا وكل الدول التي تسعى للخروج عن فلكه. إنه صراع وجود ينكشف لنا ويظهر بجلاء في حرب غزة وأوكرانيا وحرب النفوذ على تايوان.
إن تجنب الانخراط في المكينة الغربية والتعامل معها بالسياسة والحزم وعدم الخضوع لمغرياتها، السبيل للنجاة من جنة الوهم والخداع والنوايا الحسنة التي أفقدت الهنود الحمر أرضهم ومقدراتهم وتسبب في أن أبادت مئة مليون من الهنود الحمر.